قوله تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) أي يصدقون، والايمان في اللغة: التصديق، يقول تعالى في سورة يوسف عن أخوته “وما أنت بمؤمن لنا” أي بمصدق.

(بِالْغَيْبِ) الغيب في كلام العرب: كل ما غاب عنك، وهو التصديق الشرعي الذي جاء في حديث جبريل عليه السلام حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم “فأخبرني عن الايمان” يعني التصديق الشرعي المطلوب من العباد، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره” وهذه أركان الايمان الستة وكلها غائبة عن ابصارنا فأخبرنا الله بها فهو سبحانه غائب عن الابصار غير مرئي في هذه الدار، غير غائب بالنظر والاستدلال، فهم يؤمنون أن لهم ربا قادرا يجازي على الاعمال، فهم يخشونه في سرائرهم وخلواتهم التي يغيبون فيها عن الناس لعلمهم باطلاعه عليهم.

(وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) ومعنى إقامة الصلاة الدوام عليها والثبات على حفظها وأداؤها بأركانها وسننها وهيأتها في أوقاتها، وإلى هذا المعنى أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.

أما إقامة الصلاة المعروفة وهو قول المصلى قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة قبل تكبيرة الأحرام فهي سنة عند جمهور العلماء ولا إعادة على تاركها.

والصلاة أصلها في اللغة: الدعاء ومنه قوله صلى الله عليه وسلم “إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل”[1] أي فليدع لصاحب الطعام ولما ولدت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها عبد الله بن الزبير أرسلته إلى النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه أي دعا له ويقول تعالى “وصل عليهم” أي ادع لهم.

(وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) الرزق معناه العطاء ورزقناهم أي اعطيناهم وهو كل ما صح الانتفاع به حلالا كان أو حراما إلا أن ما يصح الانتفاع به إذا كان مأذونا له في تناوله فهو حلال حكما، وما كان غير مأذون له في تناوله فهو حرام حكما، وجميع ذلك رزق.

(يُنْفِقُونَ) أي يخرجون، والانفاق اخراج المال من اليد، والآية عامة في اخراج المال من اليد سواء أكان الإخراج واجبا كزكاة ونفقه الأهل والعيال أو كان نفلا كالصدقات والعطايا.

وقيل الايمان بالغيب: حظ القلب، وإقام الصلاة: حظ البدن، ومما رزقناهم ينفقون: حظ المال، والله أعلم.


[1] – أخرجه النسائي (10132).

Scroll to Top