يقول الله تعالى في سورة آل عمران (إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محرراً وتقبل مني إنك أنت السميع العليم).

معنى هذه الآية أذكر يا محمد إذ قالت امرأة عمران وهي أم مريم ابنة عمران أم عيسى عليهما السلام إن جعلت لك يا رب نذرا أن لك الذي في بطني محررا لعبادتك يعني حبسته على خدمتك ومعنى محررا مأخوذ من الحرية التي هي ضد العبودية ومنه قول العرب تحرير الكتاب وهو تخليصه من الاضطراب والفساد، والمحرر هو الخالص لله عز وجل لا يشوبه شيء من أمر الدنيا ومنه قولهم هذا لؤلؤ حر أي لم يخلط بغيره من المعادن أو هذا ذهب حر غير مخلوط به شيء، وقول امرأة عمران هذا ان ما في بطني مفرغ لعبادتك وخدمة بيت المقدس فتقبل مني ما نذرت لك يا رب إنك أنت يا رب السميع لما أقول وادعو، والعليم لما أنوي في نفسي وأريد لا يخفى عليك سر أمري وعلانيته.

ثم قال سبحانه بعد ذلك (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت، وليس الذكر كالأنثى، وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم).

قوله (فلما وضعتها) يعني ولدتها يقال وضعت المرأة تضع وضعا يعني ولدت وتلد ولادة، قوله (قالت رب إني وضعتها أنثى) يعني يا رب إني ولدتها أنثى كأنها تعتذر عن نذرها، باعتبار أنهم في زمانهم كانوا يقولون وينذرون إولدت ذكرات يكون لخدمة بيت المقدس لكنها لم تقل ذلك أملا منها بولادة ذكر.

قوله (والله أعلم بما وضعت) هذا خبر من الله عز وجل أنه جل وعلا هو العالم بما ولدت بل هو الخالق لها أنثى وهي في بطن أمها وهو المريد ذلك جل وعلا.

قوله (وليس الذكر كالأنثى) هذا من قول امرأة عمران وتعني أن الذكر أقوى على الخدمة في بيت المقدس وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمته لما يعتريها من الحيض والنفاس.

قوله (وإني سميتها مريم) مريم بلغتهم تعني خادم الرب ويقول الطاهر بن عاشور الظاهر أنها أرادت أن تسميها مريم على اسم مريم أخت موسى وهارون.

قوله (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) هذا من كلام أم مريم تدعو ربها وتقول: إني أجعل معاذها ومعاذ ذريتها من الشيطان الرجيم بك يا رب، والمعاذ معناه الملجأ والمعقل، فاستجاب الله لها فأعاذها الله وذريتها من الشيطان الرجيم فلم يجعل له عليها سبيلا، وورد في الصحيح من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من بني آدم مولود يولد إلا قد مسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا بمسه إياه غير مريم وأبنها”، فقال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم (إني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) وذرية مريم هو عيسى عليه السلام.

Scroll to Top