يقول الله تعالى في سورة آل عمران (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك، وما كنت لديهم إذ يلقون اقلامهم أيهم يكفل مريم، وما كنت لديهم إذ يختصمون).

قوله سبحانه (ذلك) يعني الاخبار التي أخبر الله بها عباده عن امرأة عمران وابنتها مريم، وزكريا وابنه يحيى، وسائر ما قصى – سبحانه في الآيات من قوله (إن الله اصطفى آدم ونوحا)، ثم جمع جميع ذلك بقوله تعالى ذلك، فقال هذه الأنباء من انباء الغيب أي من أخبار الغيب، ويعني بالغيب أنها من اخبار أولئك القوم التي لم تطلع انت يا محمد عليها ولا قومك، ولم يعلمها إلا قليل من احبار أهل الكتابين التوراة والإنجيل ورهبانهم.

قوله (نوحيه إليك) أخبر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه أوحى هذه الاخبار إليه حجة على نبوته صلى الله عليه وسلم، وتحقيقا لصدقه أمام منكري رسالته من كفار أهل الكتابين الذين يعلمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يصل إلى علم هذه الأنباء مع خفائها، ولم يدرك معرفتها إلا بإعلام الله ذلك إياه، إذ كان معلوما عندهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم أمي لا يكتب فيقرأ الكتب، فيصل إلى علم ذلك من قبل الكتب ولا صاحب أهل الكتب فيأخذ علمه من قبلهم.

ومعنى (نوحيه إليك) يعني ننزله إليك، وأصل الإيحاء: إلقاء الموحي إلى الموحى إليه وذلك قد يكون بكتاب، وإشارة، وإيحاء، وبإلهام، وبرسالة كما في قوله تعالى (وأوحى ربك إلى النحل) بمعنى ألقى ذلك إليها فألهمها، وكما قال (وإذ أوحيت إلى الحواريين) بمعنى ألقيت إليهم علم ذلك إلهاما، وكما قال جل ثناؤه (فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا) بمعنى فألقى ذلك إليهم أيضا، وقد يكون إلقاؤه ذلك إليهم إيماء ويكون بكتاب ومن ذلك قوله سبحانه (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) أي يلقون إليهم ذلك وسوسة وقوله تعالى (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) يعني ألقى إلي جبريل عليه السلام به إلي من عند الله عز وجل.

قوله (وما كنت لديهم) يعني وما كنت يا محمد (لديهم) يعني عندهم، فتعلم ما نعلمك من أخبارهم التي لم تشهدها، ولكنك إنما تعلم ذلك فتدرك معرفته من تعريفنا لك به.

قوله (إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) معنى (إذ يلقون أقلامهم) الأقلام جمع قلم مأخوذ من قلة إذا قطعه ومن تقليم الاظافر لأنهم كانوا يقطعون الخشب ويشذبونه حتى تصلح الكتابة به وقيل اقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة (أيهم يكفل مريم) أيهم تكون مريم في حضانته فقال زكريا أنا أحق بها، خالتها عندي، وقال بنو إسرائيل نحن أحق بها بنت عالمنا فاقترعوا عليها وجاء كل واحد بقلمه، واتفقوا أن يجعلوا الأقلام في الماء الجاري فمن وقف قلمه ولم يجري مع الماء فهو حاضن مريم، قال النبي صلى الله عليه وسلم فجرت الأقلام وعال قلم زكريا أي وقف، فكفلها زكريا أي أصبحت في حضانته.

قوله (وما كنت لديهم إذ يختصمون) يعني ما كنت يا محمد عند قوم مريم إذ يختصمون فيها ايهم أحق بها وأولى؟

Scroll to Top