يقول الله تعالى في سورة آل عمران (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين).

معنى هذه الآية: وما كنت يا محمد لديهم أيضا إذ قالت الملائكة: يا مريم إن الله يبشرك ومعنى التبشير هو اخبار المرء بما يسره من خير.

وقوله (بكلمة منه) يعني برسالة من الله وخبر من عنده سبحانه، يقال: ألقى فلان إلي كلمة سرني بها بمعنى أخبرني خبرا فرحت به، كما قال جل ثناؤه: (وكلمته ألقاها إلى مريم) يعني بشرى الله مريم بعيسى ألقاها إليها، ومعنى الآية: وما كنت يا محمد عند القوم إذ قالت الملائكة لمريم: يا مريم إن الله يبشرك ببشرى من عنده هي ولد لك، اسمه المسيح عيسى ابن مريم.

قوله (اسمه المسيح عيسى بن مريم) اخبر الله عباده عن نسبه عيسى، وأنه ابن أمه مريم، ونفى بذلك عن عيسى ما أضاف إليه الملحدون في الله جل ثناؤه من النصارى من إضافتهم نبوة عيسى إلى الله عز وجل، ومعنى المسيح هو المطهر من الذنوب بمعنى ممسوح عنه الذنوب.

قوله (وجيها في الدنيا والآخرة) يعني ذا منزلة عالية عند الله، وشرف وكرامة، ومنه يقال للرجل الذي يشرف وتعظمه الملوك والناس وجيه، وهو وصف مشتق من الوجه للإنسان والوجه أفضل أعضاء الإنسان الظاهرة منه، وأجمعها لوسائل الادراك وتصريف الأعمال، ومنه قول الله تعالى في وصف موسى عليه السلام (وكان عند الله وجيها) يعني مكرم بينهم ومقبول الكلمة عندهم، وعيسى وجيه عند الله سبحانه في الدنيا والآخرة.

وقوله (ومن المقربين) فإنه يعني أنه ممن يقربه الله يوم القيامة، فيسكنه في جواره ويدنيه منه.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين)، قوله (ويكلم الناس في المهد) معناه أن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة عند الله ومكلما الناس في المهد، والمهد معناه مضجع الصبي في رضاعه وهو شبه الصندوق من خشب لا غطاء له يمهد فيه مدة رضاعه ويوضع فيه لحفظه من السقوط، قوله (وكهلا) الكهل هو من أتم ثلاثين سنة وبدأ في الأربعين إلى الخمسين يقال رجل كهل فارق عصر الشباب، والمرأة شهلة أتمت الثلاثين وبدأت في الأربعين، يعني بين الشباب والشيخوخة وإنما عنى الله جل ثناؤه بقوله (ويكلم الناس في المهد وكهلا) ويكلم الناس طفلا في المهد وهذا معجزة من الله تعالى دلالة على براءة أمه مريم مما قذفها به المفترون عليها، وحجة له على نبوته وبالغا كبيرا يوحي الله الذي يوحيه إليه، وأمره ونهيه، وهذا رد من الله تعالى على وفد نصارى نجران الذين حاجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيسى عليه السلام واحتج به عليهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أن عيسى كسائر بني آدم إلا أن الله خصه بالكلام في مهده آية لنبوة عيسى وتعريفا للعباد مواقع قدرة الله تعالى.

قوله (ومن الصالحين) يعني أن عيسى عليه السلام معدود من أهل الصلاح في الدين والفضل.

Scroll to Top