يقول الله تعالى في سورة آل عمران (قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر، قال كذلك الله يخلق ما يشاء وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون).

كما قالت الملائكة لمريم: إن الله يبشرك بكلمة منه، قالت مريم للملك مخاطبة ربها رب انى يكون لي ولد: يعني من أي وجه يكون لي ولد؟ أمن قبل زوج أتزوجه؟ أو تبتدئ في خلقه من غير زوج؟ ومن غير أن يمسني بشر؟

قوله: (قال كذلك الله يخلق ما يشاء) يعني قال الله لها (كذلك) يعني هكذا يخلق الله منك ولدا لك من غير أن يمسك بشر، فيجعله آية للناس وعبرة، وإن الله يخلق ما يشاء، ويصنع ما يريد، فيعطي الولد من يشاء من غير فحل، ويعطي من فحل، ويحرم ذلك من يشاء من النساء وإن كانت ذات زوج، لأنه لا يتعذر عليه خلق شيء أراد خلقه.

قوله (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) يعني إنما هو – سبحانه – إذا أراد شيئا مما يريد فيقول له كن فيكون ما شاء مما يشاء، وكيف شاء فيكون ما أراد.

ثم قال تعالى بعد ذلك (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل)، قوله (ويعلمه الكتاب) المقصود بالكتاب على الراجح من أقوال المفسرين خط الكتابة الذي يخطه بيده، وقوله (والحكمة) المقصود بها السنة التي نوحيها إليه في غير كتاب وهي الأقوال والأفعال التي يأتيها سديدة مؤيدة من الله تعالى.

وقوله (والتوراة) هي الكتاب الذي أنزل على موسى عليه السلام، وكانت فيهم من عهد موسى، قوله (والإنجيل): إنجيل عيسى ولم يكن قبله، ولكن الله أخبر مريم قبل خلق عيسى أنه موحيه إليه، وإنما أخبرها الله بذلك، فسماه لها، لأنها قد كانت علمت فيما نزل من الكتب أن الله باعث نبيا يوحي إليه كتابا اسمه الإنجيل، فأخبرها الله عز وجل أن ذلك النبي هو الولد الذي وهبه لها وبشرها به.

ثم قال تعالى (ورسولا إلى بني إسرائيل، أنى قد جئتكم بآية من ربكم، أني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وابرئ الأكمة والأبرص وأحي الموتى بإذن الله، وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم، إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين).

قوله (ورسولا إلى بني إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم) يعني ونجعله رسولا إلى بني إسرائيل بأنه نبي وبشير ونذير وحجتي عن صدقي على ذلك أنى قد جئتكم بعلامة من ربكم تحقق قولي وتصدق خبري وهي معجزة عيسى عليه السلام وهن أربع علامات أولها قوله (أنى اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله) يعني يأخذ الطين فيسويه على هيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيطير بإذن الله، وثانيها (وأبرئ الاكمة والابرص) يعني اشفي الاكمة وهو الذي يولد وهو أعمى أو الذي يبصر في النهار ولا يبصر في الليل “الأعشى” والابرص بياض في الجلد، والثالث (وأحي الموتى بإذن الله) يحيه بإذن الله ويكلمه ثم يعود ميتا، والرابعة (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) يعني يخبرهم عن أحوالهم التي لا يطلع عليها أحد فيخبرهم بما أكلوه في بيوتهم وما عندهم مدخر فيها، قوله (إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) يعني إن هذه المعجزات كلها من عند الله من غير تنجيم ولا كهانة ولا عرافه، وذلك عبرة لكم بأني محق في قولي لكم إني رسول الله إليكم إن كنتم مصدقين حجج الله وآياته، مقرين بتوحيده ومجيء موسى نبيا من قبلي والتصديق بالتوراة التي جاءكم بها.

Scroll to Top