يقول الله تعالى في سورة آل عمران (ومصدقاً لما بين يدي من التوراة، ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم، وجئتكم بآية من ربكم، فاتقوا الله وأطيعون، إن الله ربي وربكم فأعبدوه هذا صراط مستقيم).

قوله (ومصدقا) يعني مؤمناً، (لما بين يدي من التوراة) يعني ما أنزل قبلي من التوراة، لأن عيسى عليه السلام كان مؤمنا بالتوراة، مقرا بها، وأنها من عند الله، وهذا منهج جميع الأنبياء كلهم يصدقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله، وإن اختلفت بعض شرائع احكامهم.

قوله (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) كان الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء موسى عليهما السلام، وكان حرم على بني إسرائيل فيما جاء به موسى من التوراة لحوم الإبل والشحوم، واشياء من السمك واشياء من الطير، فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل.

قوله (وجئتكم بآية من ربكم) يعني وجئتكم بحجة وعبرة من عند ربكم تعلمون بها حقيقة ما أقول لكم.

قوله (فاتقوا الله وأطيعون) يعني فاتقوا الله يا معشر بني إسرائيل فيما أمركم به ونهاكم عنه في كتابه الذي أنزله على موسى، فأوفوا بعهده الذي عاهدتموه فيه، واطيعوني فيما دعوتكم إليه من تصديقي فيما ارسلني به إليكم ربي.

قوله (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) يعني إن الله ربي الذي ارسلني إليكم وهو ربكم فاعبدوه أي اطيعوه في جميع أوامره ونهيه فإنه بذلك ارسلني إليكم، وهذا هو الطريق القويم، والهدى المتين الذي لا اعوجاج فيه.

وفي هذه الآية الكريمة الحجة البالغة من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم على الوفد الذين حاجوه من نصارى نجران، بإخبار الله عز وجل عن أن عيسى كان بريئا مما ينسب إليه أنه ابن الله فهو عليه السلام وصف نفسه من أنه عبد لله كسائر عباده من أهل الأرض، وخصه الله سبحانه بالحجج والمعجزات التي تكون دليلا على نبوته وصدقه، كما آتى الله سائر المرسلين من المعجزات والأدلة على صدقهم والحجة على نبوتهم.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من انصاري إلى الله، قال الحواريون نحن انصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون).

قوله (فلما أحس عيسى منهم الكفر) يعني فلما وجد عيسى من بني إسرائيل الكفر بالله، وأحس مأخوذ من الإحساس وهو الوجود والشعور ومنه قوله (هل يحس منهم من أحد) فلما وجد عيسى من بني إسرائيل الذين ارسله الله إليهم جحودا لنبوته، وتكذيبا لقوله وصدا عما دعاهم إليه، قوله (قال من انصاري إلى الله) يعني قال عيسى من أعواني على المكذبين والجاحدين والمولين عن دين الله يعني مع الله، قوله (قال الحواريون نحن أنصار الله) يعن أن عيسى طل العون لان بني إسرائيل أرادوا قتله، فقال الحواريون واختلف المفسرون في معنى الحواريون قالوا سموا بذلك لشدة بياض ثيابهم، لأن الحور في اللغة شدة البياض، وقال بعضهم هم خاصة الأنبياء وصفوتهم، وحواري الرجل يعني أصحابه وأنصاره، قوله (آمنا بالله) يعني صدقنا بالله، وقوله (واشهد بأنا مسلمون) يعني أشهد أنت يا عيسى بأننا مسلمون، وهذا خبر من الله عز وجل أن الإسلام دينه الذي انبعث به عيسى والأنبياء قبله، وتبرئة من الله لعيسى واحتجاجاً من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على وفد نجران.

Scroll to Top