قوله (فنادته الملائكة) أي قالت له والذي قال له هو جبريل وأحد من الملائكة، وهذا جائز في اللغة العربية بأن تخبر عن الواحد بالجمع كما يقال في الكلام ركب فلان السفن وإنما تركب سفينة واحدة، ويجوز كذلك أن قال لزكريا جماعة من الملائكة وليس واحدا.
قوله (وهو قائم يصلى في المحراب) يعني فنادته الملائكة في حال قيام زكريا مصليا في المحراب، قوله (أن الله يبشرك بيحيى) البشارة هي السرور والفرح يعني أن الله بشرك بولد يهبه لك، قوله (يحيى) سماه الله يحيى لأن الله أحياه بالإيمان وهو في العبرانية يوحنا.
قوله (مصدقا بكلمة من الله) يعني مصدقا بعيسى بن مريم وعلى سننه ومنهاجه، ويحيى عليه السلام أكبر من عيسى وهما ابنا خاله، ووصف عيسى كلمة من الله لأنه خلق مجرد أمر التكوين الإلهي المعبر عنه بكلمة كن.
قوله (وسيداً) يعني وشريفا في العلم والعبادة والحلم والورع والتقوى، ويقال السيد الشريف في نسبه وفي علمه وتقواه.
قوله (وحصورا) يعني ممتنعا من جماع النساء لأنه ليس لديه ما لدى الرجال إلا كهدبة الثوب وأصل الحصر في اللغة الحبس يقال: حصرني الشيء وأحصرني إذا حبسني، وهناك عند بعض المفسرين قال إن يحيى يحصر نفسه عن الشهوات.
قوله (ونبيا من الصالحين) يعني رسولا لربه إلى قومه، ينبئهم أي يخبرهم بأمر الله ونهيه وحلاله وحرامه ويبلغهم عنه ما أرسله به إليهم، (من الصالحين) يعني من أنبياء الله الصالحين وكلهم عليهم السلام من الصالحين.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك (قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر، قال كذلك الله يفعل ما يشاء).
قوله (قال ربي أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر) هذا استفهام مراد منه التعجب قصد منه زكريا تعرف إمكان الولد، لأنه لما سأل الولد فقد تهيأ لحصول ذلك فلا يكون قوله انى يكون لي غلام إلا تطلبا لمعرفة كيفية ذلك على وجه يحقق له البشارة، وليس من الشك في صدق الوعد وهو كقول إبراهيم عليه السلام (قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)، وأنى بمعنى كيف، وفي معنى هذا الاستفهام وجهان: أحدهما أنه سأل هل يكون له الولد وهو وامرأته على حاليهما أو يردان إلى حال من يلد؟ الوجه الثاني سأل هل يرزق الولد من امرأته العاقر أو من غيرها؟ كأنه زكريا يقول من بلغ من السن ما بلغت لم يولد له، وامرأتي عاقر والعاقر من النساء لا تلد يقال امرأة عاقر ورجل عاقر.
قوله (قال كذلك الله يفعل ما يشاء) كذلك الله أي هو ما وصف به نفسه جل وعلا أنه هين عليه أن يخلق ولدا من الكبير الذي يئس من الولد، ومن العاقر التي لا يرجى من مثلها الولادة، كما خلقك يا زكريا من قبل الولد منك ولم يك شيئا، لأنه الله الذي لا يتعذر عليه خلق شيء أراده، ولا يمتنع عليه فعل شيء شاءه لان قدرته – جل وعلا – القدرة التي لا يشبهها قدره.

