قوله (فتقبلها ربها بقبول حسن) يعني تقبل الله مريم من أمها بقبول حسن يعني سلك بها طريق السعداء فتقبلها من أمها التي جعلتها لخدمة بيت المقدس وخدمة ربها.
وقوله (وأنبتها نباتا حسنا) يعني سوى الله خلقتها في الغذاء والرزق حتى تمت، فكملت امرأة بالغة تامة، فشبه إنشاءها وشبابها بانبات النبات الغض.
وقوله (وكفلها زكريا) وكفلها الله زكريا بمعنى وضمها الله إلى زكريا بإيجاب الله له ضمها إليه وجعل – سبحانه – زكريا كافلا لها، ويعد هذا في فضائل مريم لأنه من جملة ما يزيد فضلها لان المربى يكسب خلق وصلاح المربي، وزكريا أو يقرأ زكرياء كاهن إسرائيلي جاءته النبوة وهو كبير السن، ولما ولدت مريم كان ابوها قد مات فتنازع كفالتها جماعة من أحبار بني إسرائيل حرصا على كفالة مريم بنت حبرهم الكبير، واقترعوا على ذلك، فصارت القرعة لزكريا.
قوله (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) كلما دخل عليها زكريا يعني في كل وقت يدخل زكريا عليها وجد عندها رزقا، والمحراب بناء يتخذ ليخلو فيه المتعبد بتعبده وصلاته، وأكثر ما يتخذ في علو يرتقي إليه بسلم أو درج، وقيل إن المحراب مشتق من الحرب لأن المتعبد كأنه يحارب الشيطان فيه، فكانهم جعلوا ذلك المكان آله لحرب الشيطان ثم اطلق المحراب عند المسلمين على موضع يجعل تجاه القبلة ليقف فيه الإمام للصلاة، ولأن زكريا يتعهد تعبد مريم فيرى كرامة لها أن عندها ثمارا في غير وقت وجود صنفها فيجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء.
قوله (قال يا مريم انى لك هذا، قالت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب)، يعني قال زكريا: يا مريم من أين لك هذا الرزق الذي أرى عندك، قالت مريم مجيبة له: هو من عند الله تعني أن الله هو الذي رزقها ذلك، فساقه إليها وأعطاها.
قوله (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) فهو خبر من الله سبحانه أنه يسوق إلى من يشاء من خلقه رزقه بغير إحصاء ولا عدد يحاسب عليه عبده، لأنه جل ثناؤه لا ينقص ذلك من خزائنه ولا يزيد إعطاؤه لعبده ومحاسبته عليه في ملكه وفيما لديه شيئا جل وعلا.
ثم قال تعالى: (هنالك دعا زكريا ربه، قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء).
قوله (هنالك دعا زكريا ربه) معناه عند ذلك أي عند رؤية زكريا ما رأى عند مريم من رزق الله الذي رزقها، وفضله الذي آتاها من غير تسبب أحد من الآدميين في ذلك لها، طمع زكريا في الولد مع كبر سبنه من المرأة العاقر، فرجا أن يرزقه منها الولد مع الحال التي كما رزق مريم وسأل ذرية طيبة يعني بالذرية النسل وبالطيبة المباركة، ومعنى من لدنك يعني من عندك، وقوله (إنك سميع الدعاء) معناه إنك سامع الدعاء.

