قوله (تولج الليل في النهار، وتولج النهار في الليل) تولج يعني تدخل، يقال: قد ولج فلان فزله إذا دخله، ومعنى تولج الليل في النهار، يعني تدخل ما نقصت من ساعات الليل في ساعات النهار، فتزيد من نقصان هذا في زيادة هذا، (وتولج النهار في الليل) وتدخل ما نقصت من ساعات النهار في ساعات الليل، وهذا يختلف باختلاف الفصول، فهو سبحانه يدخل ساعات النهار في الليل حتى يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات، فنقصان الليل زيادة في النهار، ونقصان النها في زيادة الليل.
قوله (وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية والراجح أنه سبحانه يخرج الحي سواء أكان من الإنسان أو الانعام أو البهائم من النطفة الميتة، ويخرج النطفة الميتة من الحي سواء أكان من الإنسان أو الانعام أو البهائم وهذه حقيقة وواقع، وذلك أن كل حي فارقه شيء من جسده، فذلك الذي فارق الجسد يعتبر ميتا فالنطفة وهو الحيوان المنوي تعتبر ميتة لمفارقتها جسد من خرجت منه، ثم ينشئ الله منها إنسانا حيا وبهائم وأنعاما أحياء، وكذلك يقبل تأويل من قال بمعنى الحبة من السنبلة والسنبلة من الحبة، والبيضة من الدجاجة والدجاجة من البيضة وهذه كذلك من الحقائق الواقعة.
وبعض المفسرين قالوا في معنى هذه الآية (تخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي) المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن وهذا من باب المجاز والاستعارة وليس من باب الحقيقة، كأن يقول أحد هذا قلبه ميت يعني ليس عنده حس أو شعور وهذا قلبه حي يعني عنده إحساس وشعور، وعلى ذلك فيعتبر الكافر كالميت ويعتبر المؤمن كالحي ومن هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بعض نسائه فإذا بامرأة حسنة الهيئة، فقال من هذه؟ قالت: احدى خالاتك، فقال صلى الله عليه وسلم وأي خالاتي هذه؟ قالت خلده بنت الأسود بن عبد يغوث، قال: سبحان الذي يخرج الحي من الميت، وكانت امرأة صالحة وكان أبوها كافر.
قوله (وترزق من تشاء بغير حساب) يعني أنه – سبحانه – يعطي من يشاء من خلقه فيجود عليه بغير محاسبه لمن أعطاه، لأنه – سبحانه – لا يخاف دخول انتقاص في خزائنه ولا الفناء على ما بيده لقوله تعالى (إن هذا لرزقنا ماله من نفاد) والرزق كل ما ينتفع به فيطلق على الطعام والشراب ويطلق على أعم من ذلك مما ينتفع به وسميت الدراهم والدنانير رزقا لأن بها يشترى الإنسان حوائجه وهي رزق.
وفي هذه الآية والآية التي سبقتها تكذيب لمن ادعى ان عيسى عليه السلام هو إله ورب لأن الله أعطاه معجزة إحياء الموتى وإبراء الاسقام، والخلق للطير من الطين والخبر عن الغيوب فإن هذا من سلطان رب العالمين الذي يعطي الملك ويأخذه ويعز يذل وبيده كل شيء وينقص من النهار ويزيد في الليل وينقص من الليل ويزيد في النهار ويخرج من الميت حيا ومن الحي ميتا ويرزق من يشاء بغير حساب لا يقدر على ذلك أحد سواه ولا يستطيعه غيره سبحانه.

