في تفسير هذه الآية الكريمة قولان، الأول أن المقصود في هذه الآية جماعة من أهل النفاق كانوا يتخلفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد جهاد العدو، فإذا رجع الرسول إلى المدينة اعتذروا إليه وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
والقول الثاني أن مقصود هذه الآية جماعة من أحبار اليهود كانوا يفرحون بإضلالهم الناس وأن الناس تحسبهم من العلماء.
ورجح الطبري في تفسيره القول الثاني وأن المقصود بذلك أهل الكتاب من أحبار اليهود الذين أخبر الله جل وعلا أنه أخذ ميثاقهم، ليبينن للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولا يكتمونه، وتفسير هذه الآية على هذا القول: لا تحسبن يعني لا تظنن يا محمد الذين يفرحون بما أتوا يعني من كتمانهم الناس أمرك، وأنك رسول من الله مرسل بالحق، وهم يجدونك مكتوبا عندهم في كتبهم، وقد أخذ الله عليهم الميثاق بالإقرار بنبوتك وبيان أمرك للناس وألا يكتموهم ذلك، وهم مع نقضهم ميثاق الله الذي أخذه عليهم بذلك، يفرحون بمعصيتهم الله ومخالفتهم أمره سبحانه، ويحبون أن يحمدهم الناس يعني يثنون عليهم بأنهم أهل طاعة الله وعباده وصلاة وصوم وابتاع لوحيه الذي أنزله على أنبيائه وهم من كل ذلك أبرياء لتكذيبهم رسوله، ونقضهم ميثاقه، ولم يفعلوا شيئا مما يحبون ثناء الناس عليه.
وقوله سبحانه (فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ) فلا تظننهم أنهم بمنجاة من عذاب الله، وأصل المفازة هي الأرض الواسعة كالصحراء التي يختبئ فيها المطلوب من أعدائه فيخرج إلى الصحراء برمالها وكهوفها ومنعرجاتها وطرقها فيأمن على نفسه وينجو من طالبيه والله سبحانه وتعالى يخبر رسوله أن هؤلاء ليسوا ناجين من عذاب الله الذي أعده لأعدائه في الدنيا من الخسف المسخ والقتل وما أشبه ذلك، وقوله (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يعني ولهم عذاب في الآخرة أيضا وأليم معناه مؤلم.
ثم قال الله بعد ذلك (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
في هذه الآية تكذيب من الله سبحانه للذين قالوا: إن الله فقير ونحن اغنياء، فيقول تعالى مكذبا لهم، لله ملك جميع ما حوته السموات والأرض، فكيف يكون أيها المفترون من ملك ذلك فقيرا، ثم أخبر سبحانه أنه القادر على تعجيل العقوبة لقائلي ذلك، ولكل مكذب به ومفتر عليه، ولكن تعالى تفضل بحلمه على خلقه فقال (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يعني قادر على إهلاك قائلي ذلك، وتعجيل عقوبته لهم، كما أنه سبحانه قادر على كل أمر من الأمور.

