يقول الله تعالى في سورة آل عمران (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ).

قوله سبحانه (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) معناها الاختبار والامتحان يعني لتختبرن بالمصائب في أموالكم وأنفسكم بهلاك الأقرباء والعشائر من أهل نصرتكم وملتكم.

وقوله تعالى (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) يعني تسمعون من اليهود والنصارى وهم الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وكذلك من المشركين أذى كثيرا كقول اليهود (إن الله فقير ونحن أغنياء) وقولهم (يد الله مغلولة) وما أشبه ذلك من افترائهم على الله، ومن النصارى قولهم: المسيح ابن الله، ومن المشركين سخريتهم من دينكم وما أشبه ذلك من كفرهم بالله.

وقول عز من قائل (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا) يعني وإن تصبروا لأمر الله الذي أمركم به فيهم وفي غيرهم من طاعته سبحانه، وتتقوا الله فيما أمركم ونهاكم فتعلموا في ذلك بطاعته.

وقوله سبحانه (فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) يعني فإن ذلك الصبر والتقوى مما أمركم به سبحانه والعزم والعزيمة من معانيها الإرادة القوية التي لا تردد فيها.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ).

معنى هذه الآية الكريمة: واذكر يا محمد إذ أخذ الله من هؤلاء اليهود والنصارى الذين أوتوا الكتاب ميثاقهم يعني عهدهم الذي عاهدوا الله عليه أن يبينوا للناس أمرك بنبوتك والذي هو موجود في التوراة والإنجيل وأنك رسول الله مرسل بالحق ولا يكتمونه، فتركوا أمر الله وضيعوه وهذا هو معنى قوله تعالى (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) أي تركوه وأهملوه متعمدين، ونقضوا ميثاق وعهد الله الذي أخذ عليهم بذلك، فكتموا أمرك ورسالتك وكذبوا بك، وأخذوا جزاء هذا الكتمان وعدم البيان مالا قليلا خسيسا من عرض الدنيا، فذم الله سبحانه شراءهم بقوله (فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) يعني في تضييعهم الميثاق وتبديلهم الكتاب.

Scroll to Top