يقول الله تعالى في سورة آل عمران (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ).

ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في بعض اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بيت المدراس وهو بيت يدرس فيه اليهود كتابهم، فوجد من اليهود ناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له “فيخاص بن عازوراء” كان من علمائهم وأحبارهم فقال له أبو بكر رضي الله عنه  ويحك يا فيخاص، اتق الله وأسلم، فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله، تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل، قال فيخاص: يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم “يشير بهذا إلى قوله تعالى (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا) ينهاكم عن الربا ويعطينا إياه، ولو كان غنيا ما أعطانا الربا، فغضب أبو بكر فضرب وجه فيخاص ضربه شديدة وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فيخاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله إن عدو الله قال قولا عظيما، زعم أن الله فقير، وأنهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه، فجحد ذلك فيخاص وقال: ما قلت ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى فيما قال فيخاص ردا عليه وتصديقا لأبي بكر هذه الآية، ومعنى الآية: لقد سمع الله قول الذين قالوا من اليهود إن الله فقير إلينا، ونحن أغنياء عنه سنكتب ما قالوا من الإفك والفرية على ربهم وكذلك قتلهم أنبياءهم بغير حق لأن هؤلاء الأحبار الذين كانوا في عصر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كانوا راضين بما فعل أوائلهم من قتل من قتلوا من الأنبياء وكانوا منهم وعلى منهاجهم من استحلال وإجازة قتل الأنبياء فأضاف الله جل ثناؤه قتل الأنبياء إلى مقولتهم الكاذبة إذ كانوا أهل ملة واحدة وبالرضا من جميعهم سابقيهم ولا حقيهم.

أما قوله تعالى (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) فمعناه ذوقوا عذاب نار محرقة ملتهبة والحريق صفة للنار يراد أنها محرقة.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).

يعني يقول الله لهم يوم القيامة ذوقوا عذاب الحريق بسبب ما أسلفت أيديكم واكتسبتها أيام حياتكم في الدنيا من قولكم إن الله فقير ونحن أغنياء ومن قتلكم الأنبياء بغير حق، وأن الله سبحانه عدل لا يجور ولا يظلم أحدا، ولا يعاقب عبدا له بغير استحقاق منه العقوبة ولكنه سبحانه يجازيه كل نفس بما كسبت، ويوفى كل عامل جزاء ما عمل.

Scroll to Top