هذه الآية الكريمة تبين جزءا من أذية اليهود وتكذيبهم لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فبعد أن قالوا قبل هذه الآية (إن الله فقير ونحن أغنياء) بين الله تعالى أنهم قالوا كذلك (إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول) يعني أن الله أوصانا وتقدم إلينا في كتبه وعلى ألسن أنبيائه أن لا نصدق رسولا فيما يقول إنه جاء به من عند الله من أمر ونهي وغير ذلك (حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ) يعني يقولون حتى يجيئنا بقربان ومعنى القربان هو كل ما يتقرب به العبد إلى ربه من صدقه. وقوله سبحانه عنهم (تَأْكُلُهُ النَّارُ) كان الرجل إذا تصدق بصدقة، فتقبلت منه بعث الله نارا من السماء فنزلت على القربان فأكلته وذلك في زمانهم كما يدعون، وكان هذا دليلا على قبول الله منه ما قرب له، ودلالة على صدق المقرب فيما أدعى أنه محق.
وقوله سبحانه (قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) يعني قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل لهم يا محمد قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات يعني بالحجج الدالة على صدق نبوتهم وحقيقة قولهم (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) يعني وكذلك بالذي أدعيتم أنه إذا جاء به لزمكم تصديقه والإقرار بنبوته من أكل النار قربانه دلالة على صدقه، وقل لهم يا محمد فلماذا قتلتم هؤلاء الرسل وأنتم مقرّون بأن الذي جاؤوكم به من ذلك كان حجة لهم عليكم إن كنتم صادقين فيما تقولون بأن الله عهد إليكم ذلك؟
وبهذه الآية الكريمة بين الله سبحانه لعباده المؤمنين أن الذين قالوا هذا الكلام من اليهود الذين كانوا على عهد وزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يقروا بنبوته صلى الله عليه وسلم وأنهم في كذبهم على الله وافترائهم على ربهم وتكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم وهم يعلمونه صادقا محقا مثل ما مضى من أسلافهم اليهود الذين كانوا يقتلون أنبياء الله بعد مجيئهم بالحجج والأدلة، افتراء على الله واستخفافا بحقوقه سبحانه.

