هذه الآية الكريمة تبين لمن كفر بالله ورسوله أي زمان ومكان تحذير الناس من الاغترار بطول العمر مع الكفر فيقول جل وعلا في معنى هذه الآية الكريمة (وَلَا يَحْسَبَنَّ) أي ولا تظنن الذين كفروا بالله ورسوله وما جاء به صلى الله عليه وسلم من عند الله (أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ) يعني نطيل في أعمارهم وهو مأخوذ من الإملاء وهو الإطالة في العمر ومن هذا قول الله سبحانه (واهجرني مليا) أي حينا طويلا، والملا نفسه الدهر والملوان هما الليل والنهار، فلا تظنوا أيها الكفار أن في طول أعماركم مع كفركم خيرا لكم.
وقوله سبحانه (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) يعني إنما نطيل أعمارهم ونؤخر آجالهم ليكتسبوا المعاصي، فتزداد آثامهم وتكثر وقوله (وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) ولهؤلاء الذين كفروا بالله ورسوله في الآخرة عقوبة لهم مهينة مذلة.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
قوله تعالى (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) يعني ما كان الله ليدع أو يترك المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق، فلا يعرف هذا من هذا، وقوله (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) يعني حتى يميز الخبيث يعني يتبين الخبيث وهو المنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان، ويبين الطيب وهو المؤمن المخلص الصادق الإيمان وهذا التمييز يكون بالمحن والاختبار كما ميز سبحانه بينهم يوم أحد، عند لقاء العدو عند خروجهم إليه.
وقوله سبحانه (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) والمعنى وما كان الله ليطلعكم على ضمائر قلوب عباده، فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق والكافر، ولكنه سبحانه يميز بينهم بالمحن والابتلاء، كما ميز بينهم يوم أحد وجهاد عدوه وغير ذلك من صنوف المحن حتى تعرفوا مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم، وقوله تعالى (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) يعني أن الله تعالى يصطفي ويختار من يشاء من رسله فيطلعه على بعض ما في ضمائر بعض هؤلاء، بالوحي إليه ورسالته، وقوله (فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) أي فصدقوا بما أنزل الله وصدقوا برسله الذين اصطفاهم واختارهم لرسالته وأطلعهم على بعض ضمائر المنافقين.
وقوله (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) يعني وإن تصدقوا من اجتبيته واصطفيته واخترته من رسلي بعلمي واطلعته على المنافقين منكم، وتتقوا ربكم بطاعته فيما أمركم به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وفيما نهاكم عنه فلكم بذلك من إيمانكم واتقائكم ربكم ثواب عظيم.

