قوله (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ) يعني فانصرف الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح من وجهتهم وهي سيرهم في أثر عدوهم إلى حمراء الأسد (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ) يعني بعافية من ربهم لم يلقوا بها عدوا (وفضل) يعني بالأجر الذي اكتسبوه (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) يعني لم ينلهم بها مكروه من عدوهم ولا أذى، (وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ) يعني أنهم أرضوا الله بفعلهم ذلك واتباعهم رسوله إلى ما دعاهم إليه من اتباع أثر العدو وطاعتهم لذلك (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) يعني والله ذو إحسان عليهم بأن صرف عدوهم الذي كانوا قد هموا بالكره إليهم، وإحسان الله عظيم عند من أنعم به عليه من خلقه.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، ويعني هذه الآية أن الذي قال لكم أيها المؤمنون إن الناس قد جمعوا لكم، فخوفوكم بجموع عدوكم، ومسيرهم إليكم كل هذا من فعل الشيطان ألقاه على أفواه من قال ذلك لكم، يخوفكم بأوليائه من المشركين أبي سفيان وأصحابه من قريش لترهبوهم وتجبنوا عنهم فالشيطان لعنة الله يخوف المؤمنين بالكفار، وقوله (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين) يعني فلا تخافوا أيها المؤمنون المشركين ولا يعظمن عليكم أمرهم ولا ترهبوا جمعهم مع طاعتكم إياي ما دمتم أطعتموني واتبعتم أمري، وإني متكفل لكم بالنصر والظفر، ولكن خافوني واتقوا أن تعصوني وتخالفوا أمري إن كنتم مصدقي رسولي صلى الله عليه وسلم وما جاءكم به من عندي.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
معنى هذه الآية ولا يحزنك يا محمد كفر الذين يسارعون في الكفر، مرتدين على أعقابهم من المنافقين فإنهم لن يضروا الله بمسارعتهم في الكفر شيئا، ويريد الله ألا يجعل لهؤلاء الذين يسارعون في الكفر نصيبا في ثواب الآخرة فلذلك خذلهم سبحانه فسارعوا في الكفر، ثم أخبر سبحانه وتعالى أنهم مع حرمانهم من ثواب الآخرة، لهم عذاب عظيم في الآخرة، وذلك عذاب النار.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم)، المقصود بالذين اشتروا الكفر بالإيمان المنافقون الذين قال الله لنبيه فيهم ألا يحزنه مسارعتهم إلى الكفر، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء هم الذين ابتاعوا الكفر بإيمانهم فارتدوا عن إيمانهم بعد دخولهم فيه ورضوا بالكفر بالله ورسوله، عوضا عن الإيمان، إن هؤلاء لن يضروا الله بكفرهم وارتدادهم عن إيمانهم شيئا بل يضرون بذلك أنفسهم بإيجابهم بذلك لها من عقاب الله ما لا قبل لها به ومعنى (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم) يعني عذاب موجع.

