تتحدث هذه الآية الكريمة عن المؤمنين الذين لا يضيع الله أجرهم، المستجيبين لله والرسول رغم ما بهم من جراح وآلام لأصابتهم يوم أحد، واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منطقة تسمى حمراء الأسد على بعد ثمانية أميال من المدينة طلبا لأبي سفيان ومن كان معه من مشركي قريش الذين انصرفوا من أحد، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو ليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليرى الناس أن به وأصحابه قوة على عدوهم وأن الذي أصابهم من الجراح والآلام لم يوهنهم عن عدوهم وأقام صلى الله عليه وسلم بهذه المنطقة “حمراء الأسد” ثلاثة أيام ثم رجع إلى المدينة فنزلت بحق المستجيبين لله ورسوله هذه الآية وقوله (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) يعني أنهم إذ اتقوا الله والتقوى تكون بمخافة الله في أداء فرائضه وطاعته سبحانه في أمره ونهيه جل وعلا فيما يستقبل من عمره، فيكون له الثواب الجزيل والجزاء العظيم على ما قدم من صالح أعماله في الدنيا.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
هذه الآية تضيف إلى الآية السابقة تخويفا للمسلمين بالإضافة إلى جراحهم وآلامهم وتبين أن هؤلاء المؤمنين الذين لا يضيع الله أجرهم واجهوا بالإضافة إلى جراحهم حربا نفسية تريد وهنهم عن اتباع الرسول لعدوه وتثبيطهم عن امتثال أوامره وقوله تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ) هؤلاء الناس قوم كان أبو سفيان سألهم وطلب منهم أن يثبطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه الذين خرجوا في طلبه إلى حمراء الأسد، فذهبوا إلى أصحاب رسول الله يقولون لهم (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) والمقصود بالناس هم أبو سفيان واصحابه من قريش الذين كانوا معه بأحد، وقوله (قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) تعني قد جمعوا الرجال للقائكم، والكرة إليكم لحربكم، وقوله (فَاخْشَوْهُمْ) يعني يقولون فاحذروهم واتقو لقاءهم، فإنه لا طاقة لكم بهم، ولكن المؤمنين لم يزدهم هذا التثبيط إلا إيمانا مع إيمانهم، ويقينا إلى يقينهم، وتصديقا لله ولوعده ووعد رسوله إلى تصديقهم، ولم يثنيهم ذلك عن وجهتهم التي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسير فيها، وقوله (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) يعني قال المؤمنون ردا على من خوفهم من أبي سفيان وأصحابه من المشركين (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) يعني يكفينا الله وحده وهو نعم المولى لمن وليه وكفله، فهم فوضوا أمرهم إلى الله ووثقوا به واسندوا ذلك إليه سبحانه وصف نفسه بقيامه لهم بذلك، وتفويضهم أمرهم إليه سبحانه بالوكالة والله نعم الوكيل لهم.

