يقول الله تعالى في سورة آل عمران (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

في هذه الآية الكريمة رد على التساؤل الذي يعتمل في صدور البعض ممن كان في موقعة أحد، وفيها كذلك تذكر بالنصر في غزوة بدر، ولوم من الله لما حدث في أحد، قوله (أَوَلَمَّا) يعني أو حين، قوله (أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) حين أصابتكم أيها المؤمنون مصيبة يوم أحد وهذه المصيبة هي القتلى الذين قتلوا منهم يوم أحد، والجرحى الذين جرحوا منهم بأحد، وكان المشركون قتلوا من المسلمين سبعين نفرا، قوله (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) يعني قد أصبتم أنتم أيها المؤمنون من المشركين مثلى هذه المصيبة التي أصابوا هم منكم وهي المصيبة التي أصابها المسلمون من المشركين في غزوة بدر، وذلك أنهم قتلوا من المشركين سبعين وأسروا سبعين، والأسير مثل القتيل، قوله (قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا) يعني قلتم لما أصابتكم مصيبتكم بأحد، أنى هذا يعني كيف هذا؟ ومن أين أصابنا هذا الذي اصابنا؟ ونحن مسلمون وهم مشركون، وفينا نبي الله صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحي من السماء، وعدونا أهل الكفر بالله وشرك؟، وقوله (هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إ) يعني قل يا محمد للمؤمنين بك من أصحابك: أصابكم هذا الذي أصابكم من عند أنفسكم بخلافكم أمري، وترككم طاعتي، لا من عند غيركم ولا من قتل أحد سواكم.

وقوله (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يعني أن الله على جميع ما أراد بخلقه من عفو وعقوبة وتفضل وانتقام قدير يعني ذو قدرة.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ).

قوله سبحانه (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ) يعني والذي أصابكم يوم التقى الجمعان وهو يوم أحد حين التقى جمع المسلمين والمشركين، ويعني بالذي أصابهم: ما نال من القتل من قتل من المؤمنين، ومن الجراح من جرح منهم، وقوله (فَبِإِذْنِ اللَّهِ) يعني فهو بقضاء الله وقدره فيكم.

وقوله (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا) يعني أصابكم ما أصابكم بأحد ليميز الله أهل الإيمان بالله ورسوله من المنافقين فيعرفونهم ولا يخفى عليهم أمر الفريقين، وقوله سبحانه (وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) يعني الله تعالى ما حدث من عبد الله بن أبي سلول المنافق وأصحابه الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه حين سار نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين بأحد لقتالهم، فقال لهم المسلمون: تعالوا قاتلوا المشركين معنا أو ادفعوا بتكثيركم جماعتنا لأن العدو إذا رأى الكثرة قد لا يقاتل وهذا هو معنى ادفعوا، فقال المنافقون للمسلمين: لو نعلم أنكم تقاتلون لسرنا معكم إليهم ولكنا معكم عليهم ولكن لا نرى أنه يكون بينكم وبين القوم قتال، وبقولهم هذا صاروا أقرب دلالة إلى الكفر منهم للإيمان فابدوا من نفاق أنفسهم ما كانوا يكتمونه من الكفر وأبدوا بألسنتهم غير ما كانوا يكتمونه ويخفونه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به، وقوله (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) يعني والله أعلم بما يضمرون في أنفسهم للمؤمنين ويكتمونه فيسيرونه من العداوة، وهو سبحانه محيط بما يخفونه من ذلك مطلع عليه ومحصيه عليهم حتى يهتك استارهم في عاجل الدنيا فيفضحهم به.

Scroll to Top