يقول الله تعالى في سورة آل عمران (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

هذه الآية الكريمة جاءت تسلية لما أصاب المسلمين في غزوة أحد وتأكيدا وتقريرا وتنبيها للمؤمنين أن النصر من الله وحده للمؤمنين بالله ورسوله على من عاداهم من أعداء الله والكافرين فلا غالب لهم من الناس فلن يغلبهم مع نصر الله إياهم أحد، ولو اجتمع عليهم جميع أقطار الأرض فلا تهابوا أعداء الله لقلة عددكم وكثرة عدد عدوكم ما دمتم على أمر الله واستقمتم على طاعة الله ورسوله.

وقوله (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) يعني إن يخذلكم ربكم والخذلان معناه ترك المعونة والمساعدة يقال خذلتني رجلي لمن لا يستطيع المشي بمعنى لا تساعدني رجلي على المشي ويقال المخذول لمن ترك وحده لا يعاونه أحد، فالله سبحانه ينبه المؤمنين أن الله إذا ترك معونتكم بسبب ترككم طاعته وطاعة رسوله ومخالفة أمره فمن ذا الذي ينصركم من بعده؟ وهذا ما يسمى في اللغة الاستفهام الإنكاري والجواب عليه لأحد ينصرنا إذا خذلنا ربنا، فلا تتركوا أمر ربكم وطاعته وطاعة رسوله فتهلكوا بخذلان الله لكم.

وقوله (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) يعني ولكن على ربكم أيها المؤمنون فاعتمدوا دون سائر خلقه، وبه وحده فارضوا ولقضائه فاستسلموا وجاهدوا اعداءه فإنه سبحانه يكفيكم بعونه ويمددكم بنصره.

ثم قال الله سبحانه بعد ذلك (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).

اختلفت أقوال المفسرين في معنى هذه الآية الكريمة لكن أنسب الأقوال وأظهرها هي أن الرماة الذين أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم ترك مراكزهم ولكنهم عصوا أمره ونزلوا من موقعهم خوفا من أن لا يكون لهم نصيب من الغنيمة فلا يصرف إليهم شيء فبين الله سبحانه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز في القسمة فما كان من حقكم أن تتهموه بفعلكم وترككم لمواقعكم وعصيانكم أمره، فقوله (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) يعني ما غل نبي قط، والمقصود هنا النفي وليس النهي، وهذه الصيغة (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ) تفيد مبالغة النفي مثل قوله تعالى (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله).

والفعل يغل مأخوذ من الغلول ومن معاني الغلول في اللغة الخيانة وجعلها بعض أهل اللغة الخيانة في المال ويطلق الغلول عند العلماء على أخذ شيء من الغنيمة ولو قليلا قبل القسمة والغلول حرام، وهذه الآية فيها كذلك نهى الناس عن الغلول في الغنائم والتوعد عليه، ولا يجوز أن يخون النبي صلى الله عليه وسلم لأن الخيانة معه صلى الله عليه وسلم أشد وقعا وأعظم وزرا، وفي الآية قراءة أخرى وهي (يُغَلْ) بضم الياء وفتح العين والمعنى على هذه القراءة نهى جيش النبي عن الغلول في غنائم النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يعني ومن يأخذ من الغنيمة قبل أن تقسم خيانة، يجي يوم القيامة مفضوحا أمام الخلائق حاملا ما يسرقه من الغنيمة على ظهره ورقبته معذبا بحمله وثقله  ومرعوبا بصوته وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد هذا لم يطلع عليه في الدنيا أما إذا أطلع على خيانته في الدنيا يفضح بأن يطاف به بين الناس ومرد ما أخذه من الغنيمة وورد في صحيح مسلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعيرله رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك، قوله (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) يعني ثم تعطى كل نفس جزاء ما كسبت بكسبها وافيا غير منقوص ولا يفعل بهم إلا بحسب ذنبهم وكسبهم فلا ينقصون عما استحقوه.[1]


[1] – أخرجه البخاري (3073)، ومسلم (1831).

Scroll to Top