يقول الله تعالى في سورة آل عمران (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

في هذه الآية الكريمة يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين ويقول لهم: لا تكونوا أيها المؤمنون في شك من أن الأمور كلها بيد الله، وأن إليه سبحانه الإحياء والإماتة كما شك المنافقون في ذلك، ولكن جاهدوا في سبيل الله، وقاتلوا أعداء الله على يقين منكم بأنه لا يقتل في حرب، ولا يموت في سفر إلا من بلغ أجله وحانت وفاته، ثم وعد الله عباده المؤمنين على جهادهم في سبيله المغفرة والرحمة، وأخبرهم أن موتا في سبيل الله وقتلا في الله، خير لهم مما يجمعون في الدنيا من حطامها ورغيد عيشها الذي من اجله يتثاقلون عن الجهاد في سبيل الله، ويتأخرون عن لقاء العدو.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) يخاطب الله عباده المؤمنين فيقول ولئن متم أو قتلتم أيها المؤمنون فإن الى الله تعالى مرجعكم ومحشركم، فيجازيكم بأعمالكم، وفي هذه الآية الكريمة والتي قبلها حث من الله لعباده المؤمنين وترغيب في أن يؤثروا ما يقربهم من الله، ويوجب لهم رضاه ويقربهم من الجنة، والوسيلة إلى هذا الجهاد في سبيل الله والعمل بطاعته، وعدم الركون إلى الدنيا وما تجمعون من حطامها الذي هو غير باق لكم بل هو زائل عنكم ويبعدكم عن ربكم ويوجب لكم سخطه ويقربكم من النار.

ثم قال الله تعالى عقب ذلك (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).

هذه الآية الكريمة جاءت لتبين مدى رحمة الله بالمؤمنين في موقعة أحد بعد مخالفة بعض من كانوا مع النبي في هذه الغزوة لأمر الرسول وما حكى من عفو الله عنهم فيما صنعوا ولأن في تلك الغزوة مظاهر كثيرة من لين النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين من أهمها أن الرسول صلى الله عليه وسلم استشارهم في الخروج لدفع الكفار، وأنه لم يلمهم أو يعيرهم على ما صنعوا من مغادرة مراكزهم ولما كان عفو الله عنهم يعرف في معاملة الرسول إياهم، الان الله لهم الرسول صلى الله عليه وسلم تحقيقا لرحمته وعفوه.

وقوله (فبما رحمة من الله لنت لهم) معناه برحمة من الله لا بغير ذلك وحرف ما في (فَبِمَا) جاءت للتأكيد مثل قوله تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم) والمعنى فبنقضهم ميثاقهم، وفي قوله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) إفادة أن أحوالهم كانت تستوجب الغلظ عليهم، ولكن الله آلان خلق رسوله رحمة بهم، وقوله (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) الفظ السيء الخلق، وغليظ القلب قاسي القلب، ومعنى (لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) لتفرقوا عنك وتركوك وحدك، وقوله (فَاعْفُ عَنْهُمْ) يعني فتجاوز يا محمد عن أصحابك واتباعك من المؤمنين بك وبما جئت به من عندي لما نالك من أذاهم (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) يعني أدع ربك لهم بالمغفرة لما أتوا من عصيان أمرك، وقوله (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) المشاورة مشتقة في اللغة من قولهم شار الدابة إذا اختبر جريها عند العرض على المشتري ومنه المشوار وهو المكان الذي تركض فيه الدواب، وشاورهم في الأمر أي في الأمر المهم المشكل في شؤون المرء في نفسه أو شئون القبيلة أو شئون الأمة، والقصد من مشاورتهم تعليم الأمة كلها المشاورة في الأمور المهمة والرسول غني عن مشاورتهم لأن ربه يسدده ويوجهه لكن الأمة من بعده لابد لها من الشورى في غير ما نص عليه في الكتاب والسنة، وقوله (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) العزم هو تصميم الرأي على الفضل بعد الشورى، (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) اعتمد على الله، قوله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) يعني أن الله يحب الراضين بقضائه والمستسلمين لحكمه سبحانه فيهم.

Scroll to Top