يقول الله تعالى في سورة آل عمران (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).

في هذه الآية الكريمة بيان لسبب هزيمة المسلمين الخفي وهي استزلال الشيطان إياهم وقوله (إن الذين تولوا منكم) يعني أدبروا من قولهم “ولى فلان ظهره منكم من بعضكم”، وقوله (يوم التقى الجمعان) يعني يوم التقى جمع المشركين وجمع المسلمين بأحد وقوله (إنما استزلهم الشيطان) بمعنى أزلهم على جعلهم زالين، والزلل هو الخطيئة والسين والتاء فيه للتأكيد مثل استفاد واستبشر، واستنشق واستكبر، والمقصود لو نهم على وقوعهم في معصية الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد بالزلل هنا الانهزام في المعركة مثل إطلاق ثبات القدم على ضده وهو النصر ومنه قوله تعالى (وثبت أقدامنا).

وقوله (بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) الباء للسببية، يعني بسبب ما كسبوا من صنيعهم وخطئهم بمفارقة موقعهم وعصيان أمر الرسول والتنازع والتعجيل إلى الغنيمة، وقوله (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) بمعنى لم ينزل بهم عقوبة أشد مما نزل بهم بسبب زلتهم وخطئهم، وقوله (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) غفور معناه إنه سبحانه على ذنوب من آمن به واتبع رسوله ومنه المغفر وهو غطاء الرأس وحليم معناه أنه سبحانه لا يتعجل على من عصاه وخالف أمره بالنقمة بل يتمهل ويتأنى يقال هذا الرجل حليم يعني لا يتسرع في العقاب بل يتأنى ويتمهل.

ثم يقول الله تعالى بعد ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

ومعنى هذه الآية اجمالا أن الله تبارك وتعالى يقول للذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله لا تكونوا كمن كفر بالله ورسوله فجحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقال لإخوانه من أهل الكفر إذا ضربوا في الأرض يعني خرجوا من بلادهم مسافرين للتجارة أو كانوا غزى يعني أو كان خروجهم من بلادهم غزاة في سبيل الله فهلكوا فماتوا في سفرهم أو قتلوا في غزوهم، لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فيخبر الله سبحانه بذلك عن قول هؤلاء الكفار إنهم يقولون لمن غزا منهم فقتل أو مات في سفر مباح خرج فيه لتجارة أو طلب علم أو صلة رحم لو لم يكونوا خرجوا من عندنا أقاموا في بلادهم ما ماتوا وما قتلوا وقوله (لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) يعني أنهم يقولون ذلك كي يجعل الله قولهم ذلك حزنا في قلوبهم وغما لقلة اليقين بربهم، وقوله (وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) يعني والله سبحانه يعجل الموت لمن يشاء من حيث يشاء، والمميت من يشاء كلما شاء دون غيره من سائر خلقه، وهذا من الله عز وجل ترغيب لعباده المؤمنين على جهاد عدو الله وعدوهم والصبر على قتالهم، وإعلام من الله لعباده أن الإماتة والإحياء بيده وحده، وهو كذلك نهى لعباده أن يجزعوا لموت من مات منهم أو قتل من قتل منهم في حرب المشركين، وقوله (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) معناه إن الله يرى ما تعملون من خير وشر فاتقوه أيها المؤمنون فلا تقولوا مثل ما يقول هؤلاء الكافرون.

Scroll to Top