قيل إن سبب هذه الآية: أن المشركين انصرفوا يوم أحد بعد الذي كان من أمرهم وأمر المسلمين، وتخوف المسلمون أن ينزلوا المدينة فيغير عليهم المشركون فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقال انظر فإن رأيتهم قعدوا على أثقالهم وجنبوا خيولهم فإن القوم ذاهبون وإن رأيتهم قد قعدوا على خيولهم وجنبوا على أثقالهم فإن القوم ينزلون المدينة فاتقوا الله واصبروا فلما أبصرهم الرسول قعدوا على الأثقال سراعا عجالا نادى بأعلى صوته بذهاب المشركين فلما رأى المؤمنون ذلك صدقوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فناموا، وبقي أناس من المنافقين يظنون أن القوم يأتونهم فلم يناموا وكانوا خائفين قد أهمتهم أنفسهم غير مصدقين النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ) يعني ثم أنزل الله أيها المؤمنون من بعد الغم أمنة وهي الأمان والاطمئنان على أهل الإخلاص منكم واليقين دون أهل النفاق والشك، وتمثل هذا الأمان بالعناس الحفيف الذي ينشط بعده البدن.
قوله (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) وهذه الطائفة هم المنافقون، لا هم لهم غير أنفسهم، فهم من حذر القتل على أنفسهم، وخوف المنية عليها في شغل، قد طار من أعينهم النعاس يشكون في أمر الله تكذيبا لنبيه صلى الله عليه وسلم كما يشك ويظن أهل الجاهلية يحسبون أن الله خاذل نبيه وناصر عليه أهل الكفر.
وقوله (يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا).
يعني أن أهل هذه الطائفة المنافقة الذين أهمتهم أنفسهم يقولون: ليس لنا من الأمر من شيء، ثم يقول الله سبحانه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المنافقين إن الأمر كله لله يصرفه كيف يشاء ويدبره كيف يحب سبحانه وتعالى، ثم بين الله لنبيه بقوله يخفى يا محمد هؤلاء المنافقون من الكفر والشك في الله ما لا يبدون لك ثم أظهر لنبيه ما كانوا يخفونه من نفاقهم وهو قولهم لو كان الخروج إلى حرب من خرجنا لحربه من المشركين ما خرجنا إليهم ولا قتل منا أحد في هذا الموضع وهو أحد، وقوله (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) يعني قل يا محمد لهم لو كنتم في بيوتكم ولم تشهدوا مع المؤمنين الحرب لظهر الذي كتب الله عليه القتل من بيته حتى يصرع ويقتل في هذا الموضع بأمر الله يصرفه كيف يشاء، وقوله (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ) وليختبر الله الذي في صدوركم من الشك فيعرف المنافق من المؤمن، وقوله (وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) وليتبينوا ما في قلوبكم من الاعتقاد بالله ولرسوله وللمؤمنين من العداوة.
وقوله (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور) يعني والله ذو علم بالذي في صدور خلقه من خير وشر وإيمان وكفر لا يخفى عليه شيء من أمورهم سرائرها وعلانيتها وهو سبحانه لجميع ذلك حافظ.

