يقول الله تعالى في سورة آل عمران (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

يأتي الله سبحانه في هذه الآية بمشهد آخر من موقعة أحد وما حدث فيها من الاضطراب.

قوله (إِذْ تُصْعِدُونَ) بضم التاء وكسر العين وهي القراءة الراجحة، ورويت قراءة أخرى وهي (تُصْعِدُونَ) بفتح التاء والعين.

وأما الذين قرؤوا (تُصْعِدُونَ) وهي القراءة الراجحة فإنهم وجهوا معنى ذلك إلى أن المسلمين حين انهزموا عن عدوهم هربوا في الأودية وبطون الشعاب، إصعاد لا صعود لأن الصعود يكون على الجبال والسلالم والدرج لأن معنى الصعود: الارتقاء والارتفاع على الشيء علوا، أما الأخذ في مستوى الأرض والهبوط في الوادي والشعيب ويسمى إصعاد فالقوم عند انهزامهم تفرقوا هاربين في بطون الأودية والشعاب وهذا هو الراجح.

قوله (وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ) يعني لا تلتفتون إلى بعضكم وهو مأخوذ من لي الرقبة أي الالتفات هربا من عدوهم مصعدين إلى الوادي.

قوله (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ) يعني ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يدعوكم أي يناديكم في أخراكم أي خلفكم بقوله صلى الله عليه وسلم إلى عباد الله، إلي عباد الله ارجعوا ارجعوا.

وقوله (فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ) أثابكم يعني جازاكم بفراركم عن نبيكم، وفشلكم عن عدوكم ومعصيتكم أوامر نبيكم. (غَمًّا بِغَمٍّ) الغم في اللغة التغطية، غمت الشيء غطيته ويقال يوم غم وليلة غمة إذا كان مظلمين وغم الهلال إذا لم ير.

وغما بغم يعني غما على غم، مثل قوله تعالى (ولأصلبنكم في جذوع النخل) بمعنى ولأصلبنكم على جذوع النخل.

وقال بعض المفسرين إن الغم الأول القتل والجراح، والغم الثاني هو ما سمعوه من إشاعة قتل النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: الغم الأول: ما فاتهم من الظفر والغنيمة، والثاني ما أصابهم من القتل والهزيمة.

قوله (لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ) أي أن الغم الثاني وهو إشاعة قتل النبي صلى الله عليه وسلم هو أكبر من الغم الأول وهو ما فاتهم من الظفر والغنيمة أو ما أصابهم من القتل والجراح، وكلمة (لِكَيْلَا) تعني لئلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة أو الهزيمة لأن مصيبتكم بسماع قتل الرسول أعظم وهذا أنسب الأقوال في تأويل (لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ).

وقوله (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) يعني والله سبحانه بالذي تعملون أيها المؤمنون من هروبكم من عدوكم وانهزامكم منهم وترككم وهو يناديكم خلفكم على ما فاتكم من عدوكم وما أصابكم في أنفسكم خبير أي ذو خبرة وعلم وهو يحص ذلك كله حتى يجازيكم به المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته أو يعفو عنكم.

Scroll to Top