في هذه الآية الكريمة عودة إلى موقعة أحد وما حصل فيها وتذكير للمسلمين عامة في جهادهم لنصرة دين الله.
فقوله (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ) يعني ولقد صدقكم الله أيها المؤمنون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأحد وعده الذي وعدهم إياه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو قول الرسول للرماة: “اثبتوا مكانكم ولا تبرحوا وإن رأيتمونا قد هزمناهم فإنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم” فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد ولقينا المشركين، أجلسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا على الجبل في وجوه خيل المشركين وبدأت المعركة وهزم المشركون في بدايتها، فلما نظر الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر المشركين ينتهبونه بادروا الغنيمة الغنيمة، فقال بعضهم: لا نترك أمر رسول الله، وانطلق اغلب الرماة من مكانهم فلحقوا بالعسكر، فلما رأى خالد بن الوليد وكان يومئذ من المشركين قلة الرماة على الجبل صاح في خيله ثم حمل يقتل الرماة ثم حمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصيب من المسلمين سبعون قتيلا.[1]
وقوله (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) يعني ولقد وفى الله لكم أيها المؤمنون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مما وعدكم من النصر عدوكم بأحد حين تحسونهم أي تقتلونهم يقال حسه أو يحسه إذا قتله وكان هذا في بداية المعركة وقوله (بِإِذْنِهِ) أي بحكم الله وقضائه لكم بذلك وتسليطه إياكم عليهم.
وقوله (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ) يعني حتى إذا جبنتم وضعفتم وقوله (وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) يعني واختلفتم في أمر الله الذي أمركم على لسان نبيه وقوله (وَعَصَيْتُمْ) وخالفتم نبيكم فتركتم أمره وما عهد إليكم وإنما نعني بذلك الرماة.
وقوله (مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ) يعني من بعد الذي أراكم الله من النصر والظفر بالمشركين، قبل أن يترك الرماة مقاعدهم، قوله (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا) وهم معظم الرماة الذين تركوا مقعدهم وخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم طلبا للغنيمة. وقوله (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ) يعني بذلك الذين ثبتوا من الرماة في مقاعدهم ولم يخالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ابتغاء ما عند الله من الثواب بذلك في الدار الآخرة، وقوله (الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) يعني ثم صرفكم أيها المؤمنون عن المشركين بعدما أراكم ما تحبون فيهم من هزيمتكم إياهم فرد وجوهكم عنهم لمعصيتكم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ومخالفتكم طاعته وإيثاركم الدنيا على الآخرة. (لِيَبْتَلِيَكُمْ) يعني ليختبركم ويتبين المنافق منكم من المخلص الصادق في إيمانه منكم، وقوله (وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ) معناه صفح عنكم فلم ينزل بكم عقوبة اشد مما أنزلها عليكم بمعصيتكم لأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يستأصلكم المشركون، وقوله (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يعني أنّ الله سبحانه صاحب فضل على أهل الإيمان به وبرسوله بعفوه لهم عن كثير ما سيتوجبون به العقوبة عليهم من ذنوبهم.
[1] – أخرجه البخارى (3986).

