يقول الله تعالى في سورة آل عمران (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).

تأتي هذه الآية الكريمة في سياق معاتبة الله للذين انهزموا يوم أحد وتركوا القتال فيبين الله لهم ويخبرهم عما كان من فعل كثير من أتباع الأنبياء قبلهم وقال لهم: هلا فعلتم كما كان أهل الفضل والعلم من اتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم أنهم ماضون على منهاج نبيهم وقتال أعداء دين الله دون وهن أو ضعف بل صبروا على القتال.

قوله (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ) معناه وكم من نبي، وقوله (قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) يعني الجماعة الكثيرة، وهناك قراءة أخرى من القراءات (قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) والمعنى على هذه القراءة أن نبيهم قتل في المعركة وقتل معه جماعة كثيرة ومع ذلك لم يهن الباقون ولم يضعفوا ولم يستكينوا واختار هذه القراءة المفسر الطبري.

قوله (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله) يعني فما عجزوا لما نالهم من ألم الجراح الذي نالهم في سبيل الله، ولا لقتل من قتل منهم في الحرب، وقوله (وَمَا ضَعُفُوا ا) يعني وما ضعفت قواهم، وقوله (وَمَا اسْتَكَانُوا) يعني وما ذلوا لأعدائهم خوفا منهم، ولكنهم قضوا قدما على منهاج نبيهم صابرين على أمر الله وأمر نبيهم وطاعة الله، وقوله (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) يعني والله يحب هؤلاء وأمثالهم من الصابرين لأمرة وطاعته وطاعة رسوله في الجهاد في سبيل الله، ولا يحب من فشل فغر عن عدوه وذل له ودخله وهن وضعف لقتل نبيه.

ثم قال تعالى بعد ذلك (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

قوله (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا) يعني لم يكن لهؤلاء الربيين وهم الجماعة الكثيرة قول سوى هذا القول وهو (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا) يسألون ربهم مغفرة ذنوبهم وهم يحاربون عدوهم.

وقوله (وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا) الإسراف معناه الإفراط في الشيء يقال: أسرف فلان في هذا الأمر إذا تجاوز مقداره فأفرط والمقصود بالإسراف في هذه الآية اغفر لنا ذنوبنا الصغائر منها وما تجاوزنا إلى الكبائر يعني اغفر لنا ذنوبنا الصغائر منها والكبائر.

وقوله (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) يعني اجعلنا ممن يثبت لحرب عدوك وقتالهم ولا تجعلنا ممن ينهزم فيفر منهم، وقوله (وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) يعني انصرنا على الذين جحدوا وحدانيتك ونبوة نبيك.

ثم قال الله بعد ذلك (فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

قوله (فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا) يعني فأعطى الله الذين سبق وصفهم جزاء في الدنيا وذلك النصر على عدوهم وعدو الله والظفر والفتح عليهم والتمكين لهم في البلاد وقوله (وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ) يعني أعطاهم خير جزاء الآخرة على ما أسلفوا في الدنيا من أعمالهم الصالحة وذلك الجنة ونعيمها

وقوله (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) يعني أعطاهم الله ذلك بإحسانهم الذي يحبه الله من عباده لأنهم فعلوا مثل الذي وصف الله تعالى أنهم فعلوه من صبر وجلد واتباع للمنهج ودعاء لله بالتثبيت والنصر.

Scroll to Top