يقول الله تعالى في سورة آل عمران (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ).

معنى هذه الآية الكريمة وما محمد إلا رسول كبعض رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه داعيا إلى الله وإلى طاعته، الذين حين انقضت آجالهم ماتوا وقبضهم الله إليه، فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما هو فيما الله به صانع من قبضه إليه عند انقضاء مدة آجله كسائر مدة رسله إلى خلقه الذين مضوا قبله وماتوا عند انقضاء مدة آجالهم.

وقوله سبحانه (الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) هذا الخطاب من الله تعالى لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم معاتبا لهم على ما كان منهم من الهلع والجزع حين قيل لهم بأحد: إن محمدا قتل، أفأن مات محمد أيها القوم لانقضاء مدة أجله أو قتله عدوكم انقلبتم على أعقابكم يعني ارتددتم عن دينكم الذي بعث الله محمدا بالدعاء إليه ورجعتم عنه كفارا بالله بعد الايمان به، وقوله (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ) يعني ومن يرتد منكم عن دينه ويرجع كافرا بعد إيمانه (فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا) يعني فلن يوهن ذلك عزة الله ولا سلطانه ولا يدخل بذلك نقص في ملكه سبحانه، بل يضر بردته نفسه، وينقص بكفره حظ نفسه.

وقوله (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) يعني وسيثيب الله من شكره على توفيقه وهدايته إياه لدينه، واستقامته على منهجه وتمسكه بدينه وملته بعد محمد إن هو مات أو قتل.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ).

معنى هذه الآية وما يموت محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره من خلق الله إلا بعد بلوغ أجله الذي جعله الله غاية لحياته وبقائه، فإذا بلغ ذلك من الآجل الذي كتبه الله له وأذن له بالموت، فحينئذ يموت، فأما قبل ذلك فلن يموت بكيد كائن ولا بحيلة محتال، وقوله (كِتَابًا مُؤَجَّلًا) تأكيد لقوله سبحانه (إلا بإذن الله إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ).

وقوله (مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا) يعني ومن يريد منكم أيها المؤمنون بعمله بعض اعراض الدنيا دون ما عند الله من الكرامة نعطه من الدنيا ما قسم له فيها من رزق أيام حياته، ثم لا نصيب له في كرامة الله التي أعدها لمن أطاعه وطلب ما عند الله من كرامته في الآخرة، ومن يريد بعمله جزاء منه ثواب الآخرة وما عند الله من كرامته التي أعدها للعاملين له في الآخرة نعطيه منها أي من كرامة الله التي خص بها أهل طاعته، وقوله (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) يعني وسأثيب من شكر لي بطاعته إياي وتجنبه ما حرمت عليه في الدنيا بإعطائه ما وعدته في الآخرة مع ما يجري عليه من الرزق في الدنيا.

Scroll to Top