يقول الله تعالى في سورة آل عمران (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ).

قوله (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) (خَلَتْ) معناها مضت وسلفت فيما كان قبلكم يا معشر أصحاب محمد وأهل الإيمان به من نحو قوم عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم.

(سُنَنٌ) يعني أمثلة فيها العبرة والاتعاظ لأن أولئك الأقوام كذبوا أنبياءهم الذين أرسلوا إليهم فأمهلتهم واستدرجتهم ثم أحللت بهم عقوبتي ونزلت عليهم نقمتي فتركتهم لمن بعدهم أمثالا وعبرا.

وهذه الآية وما بعدها من آيات في غزوة أحد يعزّي الله تعالى عباده المؤمنين ويسليهم عما نزل بهم في هذه الغزوة، ويخبرهم أنه مضى قبلهم أجيال وأمم كثيرة امتحنوا وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين حتى جعل الله العاقبة للمتقين والنصر لعباده المؤمنين، وخذل الله الكافرين بنصر رسله وأتباعهم.

وقوله (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي بأبدانكم لتروا آثار هؤلاء الاقوام، ولتعتبروا بقلوبكم، وقوله (فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) يعني فإنكم لا تجدونهم إلا معذبين بأنواع العقوبات الدنيوية، قد خوت ديارهم وذهب عزهم وملكهم وزال بذخهم وفخرهم وتبين لكل أحد خسارهم.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) يعني أن سيركم في الأرض ورؤية آثار تلك الأقوام فيه دلالة ظاهرة بينة تبين للناس الحق من الباطل وأهل السعادة من أهل الشقاوة وهو الإشارة إلى ما أوقع الله بالمكذبين، وفيه كذلك نفع لمن ينتفع بما يرا، فتهديه إلى سبيل الرشاد وتعظه وتزجره عن طريق الفي وهم المتقون المعتبرون وأما باقي الناس فهي بيان لهم تقوم به عليهم الحجة من الله، وقيل إن الإشارة في قوله (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ) للقرآن العظيم والذكر الحكيم وأنه بيان للناس عموما وهدى وموعظة للمتقين خصوصا، وكلا المعنيين حق وصائب.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وهذه الآية أيضا تعزية من الله تعالى لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أصابهم من الجراح والقتل في غزوة أحد وقوله (وَلَا تَهِنُوا) يعني لا …. بالذي حصل لكم من عدوكم بأحد من القتل والجروح لا تضعفوا عن جهاد عدوكم وحربهم وقوله (وَلَا تَحْزَنُوا) يعني ولا تجزعوا على ما أصابكم من المصيبة يومئذ، وقوله (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعني أنتم الظاهرون عليهم ولكم العقبى في الظفر والنصر عليهم (إن كنتم مؤمنين) يعني إن كنتم مصدقي نبي محمد صلى الله عليه وسلم فيما يعدكم وفيما ينبئكم من الخبر عما يؤول إليه أمركم وأمرهم.

Scroll to Top