يقول الله تعالى في سورة آل عمران مخاطبا المؤمنين (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).

قوله (وَسَارِعُوا) أي بادروا وسابقوا، وقوله (إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني إلى ما يستر عليكم ذنوبكم من رحمته، وما يغطيها عليكم من عفوه عن عقوبتكم عليها، وقوله (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) يعني وسارعوا أيضا إلى جنة عرضها السموات والأرض المقصود بالعرض هو السعة والعظم أي أنها واسعة كسعة السموات السبع والارضين السبع إذا ضم بعضها إلى بعض وقد ذكر أن ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن جنة عرضها السموات والأرض، أين النار؟ قال: أرأيتم إذا جاء الليل أن يكون النهار وإذا جاء النهار أين يكون الليل أي أن كون الله واسع يستوعب الليل والنهار، وقوله (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) يعني أن الجنة التي عرضها كعرض السموات والارضين السبع أعدها الله للمتقين الذين اتقوا الله فأطاعوه فيما أمرهم ونهاهم فلم يتعدوا حدوده، ولم يقصروا في واجب ألزمهم به فيضيعوه.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك مبينا صفات هؤلاء المتقين الذين أعد الجنة لهم (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

قوله (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) أي يبذلون أموالهم في سبيل الله، إما في صرفه على محتاج وإما في تقوية من يجاهد في سبيل الله، وقوله (فِي السَّرَّاءِ) يعني في حال السرور بكثرة المال ورخاء العيش، وقوله (وَالضَّرَّاءِ) يعني إذا أصابه الضر وذلك إذا أصابه الضيق والجهد وعيشه فأخبر جل شأنه أن الجنة لمن اتقاه وأنفق ماله في حال العسر واليسر وحال الرخاء والسعة وفي حال الضيق والشدة، في سبيل الله، وقوله (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) كظم الغيظ إمساكه وإخفائه حتى لا يظهر عليه وهو مأخوذ من كظم القربة إذا ملأها وأمسك فمها، والغيظ هو الغضب ولا شك أن أقوى القوي تأثيرا في النفس القوة الغاضبة، فإذا استطاع الإنسان إمساك غضبه مع امتلائه غضبا دل ذلك على عزيمة راسخة في النفس وهذا من أكبر قوى الأخلاق الفاضلة، وقوله (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) يعني العفو عن الناس فيما أساؤوا به إليهم وهم على الانتقام منهم قادرون، وقوله (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) يعني إن الله يحب من عمل بهذه الأمر والصفات هم المحسنون وإحسانهم هو عملهم بها.

Scroll to Top