يقول الله تعالى في سورة آل عمران (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).

جاءت هذه الآية الكريمة بعد قوله تعالى (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).

والمعنى وما جعل الله وعده إياكم من إمدادكم بالملائكة الذين ذكر عددهم إلا بشرى يبشركم بها، ولكي تطمئن قلوبكم بوعد ربكم فتسكن إليه ولا تجزع من كثرة عدد عدوكم وقلة عددكم وقوله (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) يعني وما انتصاركم على عدوكم إلا بعون الله وحده فعلى الله فتوكلوا وبه فاستعينوا وليس بالجموع وكثرة العدد فإن نصركم إن كان إنما يكون بالله وبعونه معكم فاتقوا الله واصبروا على جهاد عدوكم، فإن الله ناصركم عليهم.

وقوله (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) فيعني أن الله سبحانه هو العزيز في انتقامه من أهل الكفر بأيدي أوليائه من أهل طاعته، الحكيم في تدبيره لكم أيها المؤمنون على أعدائكم من أهل الكفر.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ).

هذه الآية الكريمة لها متعلق بالآية التي وردت في سورة آل عمران وهي قوله تعالى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وهذا هو الراجح عند علماء التفسير، فقوله (لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ) يعني ولقد نصركم الله ببدر، ليقطع طرفا من الذين كفروا أي ليهلك طرفا يعني الطائفة والنفر من الذين كفروا بالله ورسوله فجحدوا وحدانية ربهم ونبوة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قطع الله يوم بدر يعني أهلك طرفا من الكفار أي طائفة منهم وقتل رؤساءهم وقادتهم في الشر.

وقوله (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) يعني يخزيهم بالخيبة والهزيمة، وقوله (فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ) أي يرجعوا عنكم خائبين يعني لم يصيبوا منكم شيئا مما رجوا أن ينالوه منكم.

وهذا ما حصل في غزوة بدر فهلك فريق من الكفار بالسيف، ورجع بقيتهم خائبين لم ينالوا من المسلمين شيئا.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)، ذكر كثير من المفسرين أن سبب نزول هذه الآية ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد من المشركين عندما كسرت رباعيته وشج وجهه فجعل يمسح عن وجهه الدم ويقول كالأيس لهم من الهدى “كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم”، فقال الله له: ليس لك يا محمد من أمر خلقي إلا أن تنفذ فيهم أمري وتنتهي فيهم إلى طاعتي وإنما أمرهم إلي والقضاء فيهم بيدي دون غيري أقضي فيهم وأحكم بالذي أشاء من التوبة على من كفر بي وعصاني وخالف أمري أو العذاب: إما في عاجل الدنيا بالقتل وإما في آجل الآخرة بما أعددت لأهل الكفر بي لأعذبهم بذنوبهم فإنهم ظالمون أي قد استحقوا ذلك بمعصيتهم إياي.

يقول الله تعالى في سورة آل عمران (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

هذه الآية الكريمة لها صلة بالآية التي سبقتها وهي قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ).

والمعنى بذلك كله: ليس لك يا محمد من الأمر شيء، ولله ما بين أقطار السموات والأرض من مشرق الشمس إلى مغربها، يحكم فيهم بما شاء ويقضي فيهم ما أحب، فيتوب على من أحب من خلقه العاصين أمره ونهيه، ثم يغفر له، ويعاقب من شاء منهم على جرمه فينتقم منه وهو الغفور، الذي يستر ذنوب من أحب أن يستر عليه ذنوبه من خلقه بفضله عليهم بالعفو والصفح، والرحيم بهم في تركه عقوبتهم عاجلا على عظيم ما يأتون به من المآثم، وقوله سبحانه (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي يغفر الذنوب ويرحم العباد على ما فيهم.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

معنى هذه الآية أن الله تعالى ينادي الذين آمنوا به وبرسوله فينهاهم بعدم أكل الربا بعد إسلامهم وهدايتهم، كما كانوا يأكلونه في جاهليتهم، وكان أكلهم ذلك في جاهليتهم، أن الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل، فإذا حل الأجل طلبه من صاحبه، فيقول له الذي عليه المال: أخره عني دينك وأزيدك على مالك فيفعلا ذلك، فذلك هو الربا أضعافا مضاعفة، فنهاهم الله عز وجل في إسلامهم عنه وقوله (أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً) بمعنى يضاعف عليه الدين، إذا لم يكن عند المدين ما يقضى، فيضعه في العام القابل فإذا كان الدين مائة أضعفه إلى سنة مائتين، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة يضعفها كل سنة بمتوالية هندسية.

وقوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فمعناه واتقوا الله أيها المؤمنون في أمر الربا فلا تأكلوه وفي غيره مما أمركم به أو نهاكم عنه، وأطيعوه فيه لعلكم تفلحون، أي لتنجحوا فتنجوا من عقابه، وتدركوا ما رغبكم فيه من ثوابه والخلود في جناته.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) يقول تعالى مخاطبا المؤمنين واتقوا أيها المؤمنون النار أن تصلوها بأكلكم الربا، بعد نهي إياكم عنه التي أعددها لمن كفر بي فتدخلوا مداخلهم بعد إيمانكم بي بخلافكم أمري وترككم طاعتي.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) يعني وأطيعوا الله أيها المؤمنون فيما نهاكم عنه من أكل الربا وغيره من المحرمات، وفيما أمركم به الرسول لعلكم ترحمون أي لترحموا فلا تعذبوا، قيل إن في هذه الآية معاتبة من الله عز وجل لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خالفوا أمر الرسول يوم أحد فأخلوا بمراكزهم التي أمروا بالثبات عليها.

Scroll to Top