يقول الله تعالى في سورة آل عمران (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ).

هذه الآية الكريمة لها صلة بالآية السابقة وهي قوله تعالى (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يعني إذ تقول يا محمد للمؤمنين بك من أصحابك (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ) وذلك يوم غزوة بدر وليس غزوة أحد، إذ بلغ المسلمين أن كُرْزَ بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين ببدر، فشق ذلك على المسلمين، فأنزل الله عز وجل هذه الآية يوم بدر لتسكين قلوب المسلمين وتثبيتهم، فصبر المؤمنون واتقوا الله فأمدهم الله بالملائكة على ما وعدهم في الآية التي تلي هذه الآية وهي قوله (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ).

وجاء في بعض الأخبار أن الملائكة قاتلت مع المسلمين في يوم بدر فقد روى محمد بن إسحاق عن أبي أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى، وورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عددا ومددا لا يضربون.

وقوله (وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ) يعني إذا ما تواصل عدد المشركين عليكم وأصل الفور ابتداء الأمر يوجد فيه ثم يوصل بآخر يقال فارت القدر فهي تفور فورا وفورانا إذا ما ابتدأ ما فيها بالغليان ثم اتصل، ويقال: مضت إلى فلان من فوري ذلك يعني من جهتي متصلا إليه.

وقوله (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) في هذا تثبيت وتقوية للمؤمنين أن الأمداد يكومن ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، يعني للملائكة علامة وسمة وهي أنهم كانوا يلبسون عمائم صفر، ونواص خيلهم الصرف والعهن هي القطن في نواص الجبل واذيابها وفي هذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه “تسوموا فإن الملائكة قد تسومت”[1]، وفي التسويم وهو وضع علامة دليل على إظهار الشجاعة امام العدو حتى يبين صاحب العلامة أو السمة أنه غير آبه بقوة عدوه.

أما في غزوة أحد فالراجح أن المسلمين لم يمدوا بالملائكة لأنهم لم يصبروا لأعدائهم ولم يتقوا الله عز وجل بترك من ترك من الرماة طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوته في الموضع الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبوت فيه، ولكنهم أخلوا به طلبا للغنائم فقتل من المسلمين ونال المشركون منهم ما نالوا.


[1] -ضعيف أخرج ابن حجر العسقلانى فى الكافي الشاف( 212).

Scroll to Top