يقول الله تعالى في سورة آل عمران (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

قوله (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا) يعني اذكروا أيها المؤمنون أن طائفتين أي جماعتين منكم وهما على الراجح من أقوال المفسرين بنو سلمة وبنو حارثة وهما حيان من الأنصار هموا بالرجوع عن القتال حينما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قتال الكفار في أحد.

وقوله (أَنْ تَفْشَلَا) يعني أن يضعفا ويجبنا عن لقاء عدوهما يقال فشل فلان عن لقاء عدوه أي جبن وضعف، وكان همهما الذي هما به من الفشل هو الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فعصمهم الله مما هموا به من ذلك، ومضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوا عبد الله بن أبي سلول والمنافقين معه، وكان عدد المؤمنين ألف رجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع عبد الله بن أبي سلول في ثلاثمائة رجل إلى المدينة مخالفا الرسول وثبط هاتين الجماعتين بنو سلمه وبنو حارثة ولكن الله ثبتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان معه سبعمائة رجل من المؤمنين، قوله (والله وليهما) يعني أن الله سبحانه وتعالى دفع عنهما ما هما به من فشلهما، وذلك إنما كان ذلك منهما عن ضعف ووهن أصابهما من غير شك أصابهما في دينهما، فتولى الله سبحانه وتعالى دفع ذلك عنهما برحمته، حتى سلمتا من وهنيهما وضعفهما ولحقتا بنبيهما صلى الله عليه وسلم.

وقوله (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) يعني أن من كان به ضعف من المؤمنين أو وهن فليتوكل على الله وليستعن به، يعنه – جل وعلا – على أمره ويدفع عنه الضعف والوهن، ويقويه على نيته.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

في هذه الآية الكريمة يذكرهم الله بنصره لهم في غزوة بدر وهو ماء كان لرجل يسمى بدرا فسمى باسم صاحبه، قوله (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) يعني أنتم حينئذ قليل عددكم في غير منعة من الناس وليس المقصود بالذل هنا ضد العزة، فهم بدينهم وعقيدتهم لكنهم كانوا قليلي العدد بالنسبة لأعدائهم، حتى أظهركم الله على عدوكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم، وأنتم اليوم أكثر عددا مما كنتم يوم بدر، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم، وكان المسلمون في غزوة بدر ثلاثمائة وبضعة عشر، وكان عدوهم ما بين التسعمائة إلى الألف.

وقوله (فَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه، وقوله (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي لتشكروه على ما من به عليكم من النصر على أعدائكم وإظهار دينكم ولما هداكم له من الحق الذي ضل عنه مخالفوكم.

Scroll to Top