ومعنى هذه الآية إجمالا ها أنتم أيها المؤمنون تحبون هؤلاء الكفار الذين نهيتكم عن اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، فتودونهم وتواصلونهم، وهم لا يحبونكم بل ينتظرون ويضمرون لكم العداوة والغش.
وقوله (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ) معناه وأنتم تؤمنون وتصدقون بجميع الكتب كتابكم الذي أنزله الله إليكم، وكتابهم الذي أنزله الله إليهم وغير ذلك من الكتب التي أنزلها الله على عباده والمقصود بقوله (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ) أنكم إذا كنتم أيها المؤمنون تؤمنون بالكتب كلها وتعلمون أن الذين نهيتكم عن اتخاذهم بطانة هم كفار بذلك كله بجحودهم وتبديلهم بكتب الله وأوامر الله ونواهيه، فهم أولا بعداواتكم إياهم وبغضائهم وغشهم.
قوله (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) يعني أن هؤلاء الذين نهى الله المؤمنين أن يتخذوهم بطانة إذا لقوا المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطوهم بألسنتهم كلمه آمنا، وهذه الكلمة تعدّ خوفا على أنفسهم، ولكنهم إذا خلو فصاروا في خلاء حيث لا يراهم المؤمنون (عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) يعني مما يجدون في قلوبهم من الغيظ والكراهة، والأنامل أطراف الأصابع، والعض هو شد الشيء بالأسنان، وعض الأنامل كناية عن شدة الغيظ والتحسر وإن لم يكن عض الأنامل محسوسا أو مؤلما، فإن الإنسان إذا اضطرب باطنه من الانفعال صدرت عنه أفعال تناسب ذلك الانفعال، فقد تكون هذه الأفعال معينة على دفع انفعاله كضرب من يكرهه أو تقبيل من يحبه وقد تكون قاصرة عليه يشفى بها بعض انفعال مثل الطفل إذا غضب استلقى على الأرض وكضرب الرجل نفسه من الغضب وعضه أصابعه من الغيظ، وقرعه سنة من الندم وضرب الكف بالكف من التحسر، ومن ذلك التأوه والصياح ونحوها من علامات الجزع والحسرة، فهؤلاء الكفار يتحسرون على التئامكم وجمعكم فيصيبهم الغيظ وهو الغضب الشديد مع عدم قدرتهم على الانتقام فيصدر منهم عض أطراف أصابعهم.
وقوله (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) يعني قل يا محمد لهؤلاء الكفار من اليهود الذين وصفت لك صفتهم وأخبرتك أنهم إذا لقوا اصحابك قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، قل لهم موتوا بغيظكم الذي بكم على المؤمنين لاجتماع كلمتهم وائتلاف جماعتهم، وهذا دعاء من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن يدعو عليهم بأن يهلكهم الله كذا مما بهم من الغيظ على المؤمنين.
وقوله (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) يعني إن الله سبحانه ذو علم بالذي في صدور هؤلاء وبما في صدور جميع خلقه مما ينطوي في هذه الصدور من خير وشر حتى يجازي الجميع على ما قدموا من خير وشر وإيمان وكفر وما انطوت عليه لرسوله وللمؤمنين من نصيحه أو غل أو حقد.

