يقول الله تعالى في سورة آل عمران (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ).

أكد الله تعالى النهي والزجر في هذه الآية عن الركون إلى الكفار فينادى سبحانه المؤمنين المصدقين بالله ورسوله بعدم اتخاذ بطانة من دون المؤمنين يعني لا تتخذوا أيها المصدقين بالله ورسوله أولياء، وأصدقاء لأنفسكم من دون أهل دينكم وملتكم يعني من غير المؤمنين، وإنما جعل الله البطانة مثلا لخليل الرجل وخاصته الذين يستنبطون أمره، فشبهه بما ولي بطنه من ثيابه لحلوله منه في اطلاعه على أسراره، وما يطويه عبد أباعده وكثير فيه أقاربه مثل ما ولى جسده من ثيابه، فنهى الله المؤمنين به أن يتخذوا من الكفار واليهود والنصارى أخلاء وأصفياء ودخلاء يفاوضونهم في الآراء ويسندون إليهم أمورهم، ثم عرفهم سبحانه ما هم عليه لهم يقال (لا آلو جهدا) أي لا اجتهد قدر طاقتي، والخبال له معان متعددة منها الفساد في العقول ولأفعال والأبدان، وقوله (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ) يعني هؤلاء يودون كل ما يسوئكم والعنت معناه السوء والشر، ومنه التعب والمشقة، فهم يتمنون لكم الشر في دينكم وما يسوئكم ولا يسركم، وقوله (قد بت البغضاء من أفواههم) يعني ظهرت العداوة والتكذيب لكم من أفواههم والبغضاء هو البغض ضد الحب، وخص الله تعالى اأافواه بالذكر من دون الألسنة إشارة إلى ثرثرتهم في أقوالهم ونقل الأخبار إلى أوليائهم من المنافقين وأهل الكفر، وقوله (وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) يعني والذي تخفى صدور هؤلاء عنكم أيها المؤمنين أكبر وأعظم وأكثر مما قد بدا لكم بألسنتهم من أفواههم من البغضاء، وقوله (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) يعني قد بينا لكم أيها المؤمنون الآيات يعني بالآيات العبر قد بينا لكم من أمر هؤلاء اليهود الذين نهيناكم أن تتخذونهم بطانة من دون المؤمنين ما تعتبرون وتتعظون به من أمرهم إن كنتم تعقلون عن الله مواعظة وأمره ونهيه، وتعرفون مواقع نفع ذلك معكم ومبلغ عائدته عليكم.

وذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من المسلمين كانوا يخالطون حلفاءهم من اليهود وأهل النفاق منهم، ويصافونهم المودة بالأسباب التي كانت بينهم في جاهليتهم قبل الإسلام فنهاهم الله عن ذلك.

يقول القرطبي صاحب التفسير في زمانه: وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان باتخاذ أهل الكتاب كتبة وأمناء وتسودوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء، وذكر القرطبي ما في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانه تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصم الله تعالى”.[1]


[1] -أخرجه البخارى ( 6659).

Scroll to Top