في هذه الآية وعيد من الله عز وجل للأمة الفاسقة من أهل الكتاب الذين أخبر الله عنهم بأنهم فاسقون، وأنهم باؤوا بغضب منه، وهو وعيد أيضا لمن كانوا مثلهم من أهل الكفر بالله ورسوله، وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله.
وقوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني الذين جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوا به وبما جاءهم به من عند الله، وقوله (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) يعني لن تدفع أموالهم التي جمعوها في الدنيا، وأولادهم الذين ربوهم فيها، لن تدفع عنهم شيئا من عقوبة الله يوم القيامة إن آخر الله عقوبتهم إلى يوم القيامة، ولا في الدنيا إن عجلها لهم فيها وإنما خص الله الأولاد والأموال لأن أولاد الرجل أقرب إليه من غيره، وهو على ماله أقرب منه على مال غيره، فإذا لم يغن عنه ولده لصلبه، وماله الذي هو نافذ الأمر فيه فغير ذلك من أقربائه وسائر أنسبائه وأموالهم أبعد من أن تغنى عنه من الله شيئا.
وقوله (وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أخبر الله سبحانه أن هؤلاء أصحاب النار أي أهلها الذين لا يخرجون منها ولا يفارقونها كصاحب الرجل الذي لا يفارقه، ثم أكد الله ذلك بإخباره عنهم أنهم فيها خالدون أي أن صحبتهم للنار صحبة دائمة لا انقطاع لها فإذا كان الصاحب قد يفارق صاحبه في بعض الأحوال فإن أصحاب النار صحبتهم لها دائمة لا نهاية لها ولا انقطاع.
ثم قال تعالى بعد ذلك (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
في هذه الآية شبه الله تعالى ما ينفقه الكافر من ماله في الدنيا من إعطاء فقير ومسكين من المال وهذا الكافر جاحد لوحدانية الله ولمحمد صلى الله عليه وسلم مكذب في أن ما ينفقه وما يعطيه غير نافع مع كفره مثل ريح يعني هواء عاصف فيه صر أي برد شديد أصاب هذا الريح الشديد البرودة حرث قوم يعني زرع قوم قد أملوا إدراكه ورجوا ربعهٍ وعائدة نفقه (ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) يعني أصحاب الزرع عصوا الله وتعدوا حدوده فأهلكته يعني أهلكت الريح شديدة البرودة زرعهم ذلك بعد الذي كانوا عليه من الأمل ورجاء عائدة نفعه فكذلك فعل الله بنفقة الكافر.
وقوله (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يعني وما فعل الله بهؤلاء الكفار من إحباط أعمالهم ظلما منه سبحانه لهم، بل كان ذلك منهم وهم به مشركون ولأمره مخالفون، ولرسله مكذبون وهم بذلك ظلموا أنفسهم فاستحقوا عقاب الله لهم بإحباط أعمالهم.

