معنى هذه الآية أن الله أوجب على المؤمنين بقوله (وَلْتَكُنْ) منكم أيها المؤمنون (أُمَّةٌ) وهو فرض كفاية والأمة هي الجماعة يدعون الناس إلى الخير يعني إلى الإسلام وشرائعه التي شرعها الله لعباده ويأمرون الناس بالمعروف يعني باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الذي جاء به من عند الله، وينهون الناس عن المنكر وهو الكفر بالله والتكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله، وقوله (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) يعني هم الذين يبقون شرع الله وغرسه وثمره عملهم وهم كذلك المنحجون عند الله الباقون في جناته ونعيمه.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
معنى هذه الآية ولا تكونوا يا معشر المؤمنين كالذين تفرقوا من أهل الكتاب واختلفوا في دين الله وأمره ونهيه من بعد ما جاءهم البينات يعني الأدلة والحجج من الله فيما اختلفوا فيه وعلموا الحق فيه فتعمدوا مخالفة أمر الله ونقضوا عهده وميثاقه، وأولئك يعني ولهؤلاء الذين تفرقوا واختلفوا من أهل الكتاب عذاب من عند الله عظيم، فيا معشر المؤمنين لا تتفرقوا في دينكم كما فعل أهل الكتاب من اليهود والنصارى فيكون لكم من عذاب الله العظيم مثل الذي لهم.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).
ومعنى هذه الآية متصلة بنهاية الآية السابقة وهو قوله (وأولئك لهم عذاب عظيم) يوم وهو يوم القيامة تبيض وجوه قوم وتسود وجوه آخرين، فأما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم والله عليهم بهم أجحدتم وهو استفهام تقريري – توحيد الله وعهده وميثاقه واثقتموه عليه بألا تشركوا به شيئا وأن تخلصوا له العبادة بعد إيمانكم وتصديقكم به، وقوله (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) يعني بسبب جحودكم وكفركم في الدنيا، وأما الذين ابيضت وجوههم ممن ثبت على عهد الله وميثاقه فلم يبدل دينه ولم ينقلب على عقبيه بعد الإقرار بالتوحيد والشهادة لربه بالألوهية فهم في رحمة الله يعني في جنته ونعيمها وما أعد الله لأهلها فيها هم فيها خالدون أي باقون فيها أبدا بغير نهاية ولا غاية.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك (تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ).
يعني هذه آيات الله يعني مواعظ الله وعبره وحججه نقرأها عليك ونقصها بالحق يعني بالصدق واليقين، وقوله (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ) يعني وليس الله يا محمد طالبا وضع شيء مما فعل من تسويد وجوه الكفار وتبيض وجوه المؤمنين يوم القيامة في غير موضعه وإنما هو إنذار منه للكفار وتبشير منه للمؤمنين، ولذلك قال الله تعالى (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) يعني أنه سبحانه يعاقب الذين كفروا ويثيب الذين آمنوا من غير ظلم منه لأحد الفريقين لأنه سبحانه لا حاجة به إلى الظلم وذلك لأن الظالم إنما يظلم غيره ليزداد إلى عزته عزا وإلى سلطانه سلطانا وإلى ملكه ملكا لنقصان به يتممه بظلم غيره، فأما من كان له جميع أقطار الأرض وجميع الكون وجميع ما في الدنيا والأخرة فلا معنى لظلمه أحدا تعالى الله علوا كبيرا، وقوله (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) يعني إلى الله أمر جميع خلقه الصالح والطالح والمسيء فيجازي كلا على قدر استحقاقهم منه الجزاء بغير ظلم منه أحدا منهم.

