قوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا) يعني تمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهده إليكم في كتابه من الألفة والاجتماع على كلمة الحق والتسليم لأمر الله.
والحبل في كلام العرب له عدة معانٍ منها العهد والأمان ولذلك ورد في حديث الجنازة من ضمن الدعاء للميت: اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك يعني في أمانك ويسمى حبل الجوار، ويطلق الحبل على العهود والمواثيق، وقد ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “بيننا وبين القوم حبال” أي عهود ومواثيق، ويطلق الحبل كذلك على المواصلة.
وحبل الله المقصود في هذه الآية هو عهد الله وأمانة لأنه سبب يوصل به إلى زوال الخوف والنجاة من الجزع والذعر، ومنه قول الله تعالى (إلا بحبل من الله وحبل من الناس) وقد قال بعض المفسرين إن حبل الله هو القرآن وقد روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كتاب الله: هو حبل الله الممدود بين السماء إلى الأرض”.[1]
قوله (وَلَا تَفَرَّقُوا) يعني ولا تتفرقوا عن دين الله وعهده الذي عهد إليكم في كتابه من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قوله (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)، معنى ذلك اذكروا أيها المؤمنون نعمة الله عليكم التي أنعم بها عليكم حين كنتم أعداء أي اشرككم قبل اسلامكم يقتل بعضكم بعضا عصبية في غير طاعة الله ولا طاعة رسوله، فألف الله بالإسلام بين قلوبكم فجعل بعضكم لبعض إخوانا، تتواصلون بألفة الإسلام، واجتماع كلمتكم عليه لا ضغائن بينكم ولا تحاسد.
قوله (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) يعني وكنتم يا معشر المؤمنين من الأوس والخزرج على طرف جهنم بكفركم الذي كنتم عليه قبل أن ينعم الله عليكم بالإسلام ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا على ذلك من كفركم فتكونوا من الخالدين فيها فأنقذكم الله منها بالإيمان الذي هداكم له وشفا الحفرة يعني طرفها وحرفها.
قوله (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) يعني كما بين لكم ربكم أيها المؤمنون من الأوس والخزرج ما يضمره لكم اليهود من غش ومكر لإخراجكم عن إسلامكم وبين لكم الحال التي كنتم عليها في جاهليتكم والتي صرتم إليها في إسلامكم فكذلك يبين لكم آياته أي حججه لكم في كتابه المنزل وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لتهتدوا إلى سبيل الرشاد وتسلكوها فلا تضلوا عنها.
[1] -أخرجه الترمذى (3788).

