يقول الله تعالى في سورة آل عمران (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ).

معنى هذه الآية إجمالا: إن أول بيت وضع للناس أي لعباده الله فيه مباركا وهدى أي مآبا الناسكين وطواف الطائفين وتعظيما لله وإجلالا له سبحانه، لما ورد عن أبي ذر الغفاري قال: “قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول قال: المسجد الحرام، قال: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قال: كم بينهما، قال: أربعون سنة”.[1]

قوله (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) يعني البيت الذي بمزدحم الناس لطوافهم في حجهم وعمرتهم، وإليك في اللغة العربية معناه الزحام يقال بك فلان فلانا إذا زحمه وصدق فهو ببكه بكا سميت بكة بفعل المزدحمين فيها وبكة هو موضع ازدحام الناس حول البيت أي الكعبة من داخل المسجد وأن ما كان خارج المسجد فيسمى مكة، فبكة موضع البيت ومكة: ما حولها.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).

قوله (فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ و) يعني في هذا البيت آيات أي علامات واضحات من قدرة الله وآثار خليله إبراهيم، ومن هذه الآية أثر قدم إبراهيم عليه السلام في الحجر الذي قام عليه.

قوله (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا) يعني كانوا في الجاهلية إذا ارتكب الرجل جريمة ثم لجأ إلى حرم الله لا يؤخذ ولم يطلب، فأما في الإسلام، فإنه لا يمنع من حدود الله من سرق فيه قطع ومن زنى فيه أقيم عليه الحد ومن قتل فيه قتل وكذلك من قتل خارج الحرم ثم دخل الحرم، يخرج ويقتص منه.

قوله (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) والمقصود بالسبيل هو مؤونة الطريق وأولها الزاد ووسيلة الوصول وتسمى الزاد والراحلة.

قوله (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) يعني ومن جحد ما فرضه الله عليه من حج بيته فأبكره وكفر بالله فإن الله غني عنه وعن حجه وعمله بل إن الله غني عن سائر خلقه من الجن والأنس.


[1] – أخرجه البخاري (3425)، ومسلم (520).

Scroll to Top