الراجح في تفسير هذه الآية أن الذين كفروا من اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه بعد إيمانهم به قبل مبعثه، ثم ازدادوا كفرا بما أصابوا من الذنوب في كفرهم وأقاموا على ضلالتهم هؤلاء لن تقبل توبتهم من ذنوبهم التي عملوها في كفرهم حتى يتوبوا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويراجعوا التوبة منه بتصديق ما جاء به من عند الله وقوله تعالى (وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) يعني وهؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا هم الذين ضلوا سبيل الحق فأخطؤوا منهجه وتركوا صراطه المستقيم وهدى الله الذي أخبرهم عنه.
ثم قال تعالى بعد ذلك (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ).
معنى هذه الآية أن الذين كفروا أي جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يصدقوا به وبما جاء به من عند الله سواء أكانوا يهودا أم نصارى أم مجوسا أم غيرهم وماتوا وهم كفار يعني وماتوا على ذلك من جحود نبوته وجحود ما جاء به قوله (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ) يعني فلن يقبل ممن كان بهذه الصفة في الآخرة جزاءً ولا رشوة على ترك عقوبته على كفره ولو كان له من الذهب قدر ما يملأ الأرض من شرقها إلى مغربها يدفعه عوضاً مما هو فيه من عذاب الله، لأن الرشوة إنما يقبلها من كان ذا حاجة إلى ما رشي، فأما من له الدنيا والآخرة فكيف يقبل الفدية وهو سبحانه خلاق كل فدية افتدى بها مفتد عن نفسه أو غيره، ومعنى الفدية هي العوض والجزاء من المفتدى منه، ثم أخبر عز وجل عما لهؤلاء عنده فقال (أُولَئِكَ) يعني هؤلاء الذين كفروا وماتوا وهم كفارا (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يعني لهم عند الله عذاب موجع، (وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) يعني وما لهم من قريب ولا حميم ولا صديق ينصره فيستنقذه من الله ومن عذابه كما كانوا ينصرونه في الدنيا على من حاول أذاه ومكروهه.
ثم قال تعالى بعد ذلك (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) معنى هذه الآية: أي لن تدركوا أيها المؤمنون البر وهو البر من الله الذي يطلبونه منه بطاعتهم إياه وعبادتهم له، ويرجونه منه سبحانه وذلك تفضله عليهم بإدخالهم جنته، وصرف عذابه عنهم، ولذلك قال كثير من المفسرين أن البر في هذه الآية هو الجنة برب الرب يعيده في الآخرة وإكرامه إياه بإدخاله الجنة (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) لن تنالوا بر ربكم حتى تنفقوا أي تتصدقوا مما تحبون وتودون أن يكون لكم من نفيس أموالكم.
قوله (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) يعني ومهما تنفقوا من شيء فتتصدقوا به من أموالكم فإن الله تعالى ذو علم بذلك كله فيما ينفق الإنسان مما يحب من ماله لا يغيب عنه سبحانه شيء منه حتى يجازي صاحبه عليه جزاءه في الآخرة.

