يقول الله تعالى في سورة آل عمران (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

ومعنى هذه الآية: ومن يطلب دينا غير دين الإسلام فلن يقبل الله منه وهو في الآخرة من الخاسرين من رحمة الله عز وجل، وذكر علماء التفسير أن أهل كل ملة ادّعوا أنهم هم المسلمون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية فأمرهم الله بالحج إن كانوا صادقين فامتنعوا، فأدحض الله بذلك حجتهم.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

الراجح من الروايات أن هذه الآية في رجل من الأنصار يسمى الحارث بن سويد جاء فأسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه، فلما نزلت هذه الآية، حملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه، فقال الحارث لهذا الرجل إنك والله لصدوق، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك، وإن الله عز وجل لأصدق الثلاثة فرجع الحارث فاسلم وحسن إسلامه.

قوله (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) يعني كيف يرشد الله للصواب ويوفق للإيمان قوما جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم أي بعد تصديقهم إياه وإقرارهم بما جاءهم به من عند ربهم، وقوله (وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ) يعني وبعد أن أقروا أن محمدا رسول الله إلى خلقه حقا، قوله (وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) يعني وجاءهم الحجج من عند الله والدلائل بصحة ذلك، قوله (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) يعني والله لا يوفق للحق والصواب الجماعة الظالمة وهم الذين بدلوا الحق إلى الباطل فاختاروا الكفر على الإيمان (أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ) يعني هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم ثوابهم من عملهم الذي عملوه (أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ) يعني أن حل بهم من الله الإقصاء والبعد من رحمته، وكذلك من الملائكة والناس أجمعين.

(خَالِدِينَ فِيهَا) يعني ماكثين في عقوبة الله ما داموا على كفرهم بعد إسلامهم، (لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ) يعني لا ينقصون من العذاب شيئا في أي حال من الأحوال (وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) يعني ولا هم يرجون لمعذرة يعتذرون، ثم استثنى الله جل ثناؤه الذين تابوا من هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم فقال تعالى (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا) يعني إلا الذين تابوا من بعد ارتدادهم عن إيمانهم فراجعوا الإيمان بالله ورسوله وصدقوا بما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من عند ربهم. وأصلحوا يعني وعملوا الصالحات من الاعمال، (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يعني فإن الله لمن فعل ذلك بعد كفره غفور يعني ساتر عليه ذنبه الذي كان منه من الردة فتارك عقوبته عليه وفضيحته به يوم القيامة غير مؤاخذه به إذا مات على التوبة منه (رَحِيمٌ) يعني متعطف عليه بالرحمة.

Scroll to Top