معنى هذه الآية أنّ الله سبحانه يخاطب المؤمنين تعجباً من أحوال أهل الكتاب فيقول أفغير دين الله؟ والمقصود بدين الله طاعة الله (يَبْغُونَ) يريدون ويطلبون وقوله: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يعني ولله خشع وانقاد من في السموات والأرض، فخضع له – سبحانه – بالعبودية وانقاد له بإخلاص التوحيد والألوهية. قوله: (وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) أرجح الأقوال في معنى (وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) أن هناك من أسلم بمعنى خشع لله طائعاً كالملائكة والأنبياء والمرسلين فإنهم أسلموا لله طائعين.
وإسلام الكاره هو أنه يقرّ بأن الله خالقه وربه وإن أشرك معه في العبادة غيره، ومثل إسلام الكاره. قول الله تعالى مخاطباً المشركين: (ولئن سالتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) وعبادة الله والخشوع له تكون طوعاً وكرهاً في مثل قوله سبحانه: (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً) وهذا الخشوع لله سبحانه مغروس في فطرة الإنسان وهو في ظهر أبيه بدليل قول الله سبحانه في سورة الأعراف: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهروهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)، فالإنسان يغطي هذه الفطرة بالشرك بالله والكفر به عناداً لله الذي فطره على عبوديته والخشوع له، ولكنه يسلم كارهاً حين يرى بأس الله سبحانه. يقول تعالى: (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) وأما المؤمن فيسلم طائعاً متوافقاً مع فطرته.
قوله: (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) يعني وإلى الله يا معشر من يريد غير الإسلام ديناً سواء من اليهود أو النصارى أو سائر الناس تصيرون بعد مماتكم فيجازيكم بأعمالكم المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته، وهذا من الله عز وجل تحذير خلقه أن يرجع إليه أحد منهم فيصير إليه بعد وفاته على غير ملة الإسلام.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك: (قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
قوله: (قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ) يعني قل لهم يا محمد: صدقنا بالله أنّه ربنا وإلهنا لا إله غيره ولا نعبد أحداً سواه. قوله: (وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) يعني وقل وصدقنا أيضاً بما أنزل علينا من وحيه وتنزيله فأقررنا به. قوله: (وما أنزل على إبراهيم) يعني وصدقنا أيضاً بما أنزل على إبراهيم خليل الله وعلى ابنيه إسماعيل واسحق وابن ابنه يعقوب، وبما أنزل على الأسباط وهم ولد يعقوب الاثنا عشر. قوله: (وما أوتي موسى وعيسى) يعني وصدقنا أيضاً مع ذلك بالذي أنزله الله على موسى وعيسى من الكتب والوحي، وكذلك بما أنزل على النبيين من عند الله.
قوله: (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) يعني نؤمن بجميعهم ونصدقهم ولسنا كاليهود والنصارى الذين كذبوا ببعض الأنبياء وصدقوا بعضهم. قوله: (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) يعني ونحن ندين لله بالإسلام لا ندين غيره ونحن له منقادون بالطاعة، متذللون بالعبودية والربوبية وأنّه لا إله غيره سبحانه.

