يقول الله تعالى في سورة آل عمران: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ).

ومعنى هذه الآية الكريمة على وجه الإجمال: واذكروا يا أهل الكتاب حين أخذ الله ميثاق أنبيائه عليهم السلام في ما أنزل الله عليهم من الكتب كالتوراة والإنجيل وما ورد بينهم من أقوال، وميثاقهم ما وثقوا به على أنفسهم طاعة الله فيما أمرهم ونهاهم في هذه الكتب ومن ذلك أن الله عزّ وجل أخذ ميثاق جميع الأنبياء بتصديق كل رسول له ابتعثه إلى خلقه، وأخذ الأنبياء على من ابتعثوا من الأمم الميثاق من تصديق أنبياء الله ورسله بما جاءتها به، لأنّ الأنبياء أرسلوا ليدعوا عباد الله إلى ما دعاهم الله إليه من تصديق رسله عليهم السلام.

قوله: (وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ) وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو مصدق لما معكم أي مؤمن بما جاء به موسى عليه السلام، قوله: (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ)، فلماذا أنكرتموه وحاربتموه؟ وهو صلى الله عليه وسلم من الأنبياء والرسل الذين أخذ الله عليهم الميثاق أن يصدق كل رسول ومعه أتباعه بكل نبي يبعثه الله إلى أمم أخرى، ويأمرون أتباعهم بهذا الميثاق الذي أخذه الله عليهم.

وهذا هو قوله تعالى: (قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ؟) يعني قال الله للأنبياء أأقررتم بالميثاق الذي واثقتموني عليه من أنكم مهما أتاكم رسول من عندي مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه. وقوله: (وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) يعني وأخذتم على ما واثقتموني عليه من الإيمان بالرسل التي تأتيكم بتصديق ما معكم من عندي والقيام بنصرتهم. (إِصْرِي): يعني عهدي ووصيتي وقبلتم في ذلك مني ورضيتموه ومعنى أخذتم يعني قبلتم ورضيتم من قولهم: أخذ الوالي عليه البيعة بمعنى بايعه وقبل ولايته ورضى بها.

قوله: (قَالُوا أَقْرَرْنَا) يعني قال النبيون الذين أخذ الله ميثاقهم: أقررنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك الذين ترسلهم مصدقين لما معنا من كتبك وبنصرتهم.

قوله: (قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) يعني قال الله جل وعلا: فاشهدوا أيها النبيون بما أخذت به ميثاقكم من الإيمان بتصدق رسلي التي تأتيكم بتصديق ما معكم من الكتاب والحكمة ونصرتهم على أنفسكم وعلى أتباعكم من الأمم إذ أنتم أخذتم ميثاقهم على ذلك، وأنا معكم من الشاهدين عليكم وعليهم بذلك.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك: (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). يعني فمن أعرض عن الإيمان برسلي الذين أرسلتهم بتصديق ما كان مع أنبيائي من الكتب والحكمة وعن نصرتهم وأدبر ولم يؤمن بذلك ولم ينصر ونكث عهده وميثاقه بعد ذلك يعني العهد والميثاق الذي أخذه الله عليه. قوله: (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) يعني هم الخارجون عن طاعة ربهم، والمقصود بها فيه الآيتين أخبار من كان حوالى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل أيام حياته صلى الله عليه وسلم بما لله عليهم من العهد في الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وتذكيرهم ما كان الله أخذ على آبائهم وأسلافهم من المواثيق والعهود وتعريفهم بما في كتب الله التي أنزلها إلى أنبيائه التي ابتعثهم إليهم من صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعلامته

Scroll to Top