يقول الله تعالى في سورة آل عمران: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).

هذه الآية إخبار من الله تعالى عن الذي أدى أمانته إلى من ائتمنه عليها، اتّقاء لله ومراقبته سبحانه ومعناها: ليس الأمر كما يقول هؤلاء الكاذبون على الله من اليهود من أنه ليس عليهم في أموال الأميين حرج ولا إثم، ثم قال بلى ، ولكن من أوفى بعهده واتّقى، يعني ولكن الذي أوفى بعهد الله الذي عاهده في كتابه فأمن محمد صلى الله عليه وسلم وصدق به وبما جاء به من الله من أداء الأمانة إلى من ائتمنه عليها وغير ذلك من أمر الله ونهيه، واتّقى ما نهاه الله عنه من الكفر به وسائر معاصيه التي حرمها عليه، فاجتنب ذلك مراقبة لله وخوف عقابه.

قوله: (فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) يعني فإنّ الله يحب الذين يتقونه فيخافون عقابه ويحذرون عذابه فيجتنبون ما نهاهم عنه وحرمه عليهم ويطيعونه فيما أمرهم به.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).

قيل: إنّ سبب نزول هذه الآية ما روى عن الاشعث بن قيس قال: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألك بينة؟ قلت لا، فقال لليهودي: أحلف، فقال الأشعث بن قيس: يا رسول الله إذن يحلف إذن يحلف، فيذهب مالي، فأنزل الله هذه الآية.[1]

ومعناها: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا) إنّ الذين يستبدلون بتركهم عهد الله الذي عهد إليهم في كتبهم باتّباع محمد وتصديقه، وبأيمانهم الكاذبة التي يستحلون بها ما حرم الله عليهم من أقوال الناس التي ائتمنوا عليها (ثَمَنًا قَلِيلًا) يعني عوضاً وبدلاً خسيسًا من عرض الدنيا وحطامها. قوله: (أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ) يعني الذين يفعلون ذلك لا حظ لهم في خيرات الآخرة ولا نصيب لهم من نعيم الجنة وما أعد الله لأهلها فيها دون غيرها.

قوله: (وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ) فمعناه ولا يكلمهم الله بما يسرهم. (وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) يعني ولا يعطف عليهم بخير ورحمة. (يوم القيامة) يعني في الدار الآخرة. قوله: (وَلَا يُزَكِّيهِمْ) يعني ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم. قوله: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) يعني ولهم عذاب موجع.

ولذلك روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله “من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها حق أخيه لقي الله وهو عليه غضبان”.[2]


[1] – أخرجه البخاري (2417)، ومسلم (138).

[2] -أخرجه ابن ماجه (1895).

Scroll to Top