يقول الله تعالى في سورة آل عمران: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

هذه الآية الكريمة خبر من الله عز وجل أنّ من أهل الكتاب وهم اليهود من بني إسرائيل أهل أمانة يؤدونها ولا يخونونها، ومنهم الخائن أمانته، الفاجر في يمينه، فإن قال قائل: لماذا أخبر الله عز وجل بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم، والناس لم يزالوا كذلك، منهم المؤدي أمانته ومنهم من يخون أمانته، والجواب: إنما أراد الله – سبحانه وتعالى – تحذير المؤمنين أن يأتمنوهم على أموالهم وتخويفهم الاغترار بأهل الكتاب لاستحلال كثير منهم أموال المؤمنين، فتفسير الآية ومن أهل الكتاب الذي إن تأمنه يا محمد على عظيم من المال كثير يؤده إليك ولا يخنك فيه، ومنهم الذي إن تأمنه على دينار يخنك فيه، فلا يؤده إليك إلا أن تلح عليه بالتقاضي والمطالبة. وقوله: (بِقِنْطَارٍ) وهو يزن مائة رطل فضة يساوي اثنا عشر ألف دينار وقيل القنطار يساوي مائة ألف دينار ذهب، وهو لفظ معرب من ألفاظ الروم من اللاتينية الشرقية وأصله “كنتال” وفي هذه الآية كذلك إنصاف للفريق الأول من أهل الكتاب لأن الإنصاف مما اشتهر به الإسلام. وقوله: (بِدِينَارٍ) اسم للمسكوك من الذهب وهو كذلك معرب من دنار من الرومية.

قوله: (إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) إلا ما دمت عليه قائماً بالمطالبة والاقتضاء من قول العرب: قام فلان بحقي على فلان حتى استخرجه لي أي عمل في تخليصه وسعى في استخراجه منه حتى استخرجه، ودمت مأخوذة من الدوام وهي الفترة الزمنية التي تكون طويلة لعمل الإنسان على شيء حتى ينجزه.

قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) ذلك إشارة إلى ما سبق وهو: (إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك) لأنهم يعتقدون، وعبر سبحانه بالقول عن اعتقادهم بأن هذا موجود في كتبهم، ومعنى ليس علينا في الأميين سبيل: ليس علينا في أكل حقوق المسلمين حرج ولا إثم ولا مؤاخذة لأنهم أميون يعني جاهلين لا يعرفون القراءة والكتابة أو لأنهم ليسوا على ديننا، وكل من ليس على ديننا فهو جاهل أمي وهذا ادعاء منهم واختلاق.

ومعنى السبيل هو طريق المؤاخذة، ثم أطلق في كلام العرب على المؤاخذة ومنه قوله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) يعني مؤاخذة. وقوله: (إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء) إنما المؤاخذة والإثم، وقصد اليهود بذلك أن يحقروا المسلمين ويتطاولوا عليهم ويميزوا أنفسهم.

قوله: (وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يعني أنّ القائلين منهم ذلك (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) كذبوا على الله وادّعوا أنّ هذا من الله مكتوب في كتبهم اختلافاً منهم. (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي أنّهم متعمدون لهذا الكذب وهم يعلمون أنّ هذا ليس صحيحاً.

وفي هذه الآية كذلك تحذير من الله تعالى ألا يكونوا من هذا الفريق الذي إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً، ومع هذا فالشواهد كثيرة عند بعض المسلمين هداهم الله على فعلهم مثل فعل اليهود.

Scroll to Top