يقول الله تعالى في سورة آل عمران: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).

قوله: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) وقالت جماعة من اليهود الذين يقرؤون التوراة: إذا لقيتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قوله: (آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ) أول النهار فآمنوا. قوله: (وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ) وإذا كان آخر النهار فصلوا صلاتكم واتركوا صلاة المسلمين. قوله: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يعني لعلّ أتباع محمد يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا فينقلبون عن دينهم، وكان بعض أحبار اليهود وهم أثنا عشر حبراً قالوا لبعضهم: ادخلوا في دين محمد أول النهار وقولوا نشهد أنّ محمداً حق صادق، فإذا كان آخر النهار فاكفروا وقولوا: إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم فحدثونا أنّ محمدًا كاذب، وأنكم يا أتباع محمد لستم على شيء، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أصح إلينا من دينكم، فإذا فعلتم ذلك لعل أتباع محمد يشكون في دينهم ويرجعون عنه.

ثم قال تعالى بعد ذلك: (وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

قوله: (وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) هذا خبر من الله عن قول الطائفة الذين قالوا لإخوانهم اليهود ما قالوا في الآية السابقة، يعني أيها اليهود لا تصدقوا إلّا من تبع دينكم، فكان يهوديًا. قوله: (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية من عند قوله تعالى: (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم) والراجح من هذه الأقوال وهو ترجيح الطبري أنّ قوله تعالى: (أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) متصل بقوله تعالى اخبارًا عن قول اليهود: (وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) فيكون تفسير هذه الآية: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم بمعنى لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وهذا من كلام الأحبار لأتباعهم اليهود لأنهم أوتوا المن والسلوى وفلق البحر عند مرور موسى وأتباعه اليهود، أو يحاجوكم عند ربكم بمعنى أو أن يحاجوكم عند ربكم أحد بإيمانكم فإنّه لا حجة لأحد مهما كان على اليهود، لأنكم يا معشر يهود أكرم على الله فهم بما فضلكم به عليهم، فيكون الكلام كله خبرًا عن قول هذه الطائفة، أما قوله في بداية الآية فهو أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لتكذيب هذه الطائفة يعني قل يا محمد للقائلين ما قالوا من الطائفة: (إنّ الهدى هدى الله) يعني أنّ التوفيق توفيق الله والبيان بيانه، وهذا الأمر في بداية الآية للرسول متصل اتصالًا وثيقاً بقوله تعالى في نهاية الآية: (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) يعني قل يا محمد لهؤلاء اليهود الذين قالوا لأتباعهم ما قالوا إنّ الفضل بيد الله وإنّ التوفيق للإيمان والهداية للإسلام بيد الله سبحانه وإليه يعطيه من أراد من عباده، والله ذو سعة بفضله على من يشاء أن يتفضل عليه وهو – سبحانه – ذو علم بمن هو للفضل أهل، ثم قال الله تعالى بعد ذلك: (يختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم) يختص يعني هو وحده الذي يخص من يريد برحمته والمراد بالرحمة في هذه الآية النبوة والإسلام والقرآن. وقوله: (والله ذو الفضل العظيم) ذو فضل يتفضل به على من أحب وشاء من خلقه، ثم وصف – سبحانه – فضله بالعظيم فقال فضله عظيم لأنه غير مشبه لأفضال خلقه على بعضهم البعض ولا يقاربه في جلال خطر ولا يدانيه.

Scroll to Top