يقول الله تعالى في سورة آل عمران: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).

قوله (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ) يعني: إنّ أحق الناس بإبراهيم ونصرته وولايته. قوله: (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) يعني الذين سلكوا طريقه ومنهاجه، فوحّدوا الله مخلصين له الدين غير مشركين. قوله: (وَهَذَا النَّبِيُّ) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.

 قوله: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا) يعني والذين صدقوا محمداً وبما جاءهم به من عند الله. قوله: (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) يعني والله ناصر المؤمنين- محمد صلى الله عليه وسلم -على من خالفهم من أهل الملل والأديان.

ثم قال تعالى بعد ذلك: (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ).

قوله: (وَدَّتْ) يعني تمنت. (طَائِفَةٌ) يعني جماعة. (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) وهم أهل التوراة من اليهود، وأهل الإنجيل من النصارى. قوله: (لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) يعني لو يصدونكم أيها المؤمنون عن الإسلام ويردونكم إلى ما هم عليه من الكفر، فيهلكنكم بذلك، والمقصود بالإضلال في هذه الآية الإهلاك، ومثله قول الله تعالى: (وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا في خلق جديد) يعني إذا هلكنا، ولا يزال اليهود والنصارى يتمنون هذا ويحاولون من يوم نزول هذه الآية إلى عصرنا الحاضر.

 قوله: (وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) وما يهلكون بما يفعلون من محاولتهم صدكم عن ينكم غير أنفسهم، ويعني بأنفسهم أتباعهم وأشياعهم على ملتهم ودينهم لأنّهم استحقوا غضب الله ولعنته لكفرهم بالله، ونقضهم الميثاق الذي أخذ الله عليهم في كتابهم في اتّباع محمداً صلى الله عليه وسلم وتصديقه والإقرار بنبوته، ولا يدرون ولا يعلمون أنّهم لا يضلون إلا أنفسهم على جهل منهم بما ادخر الله لهم من أليم عذابه.

ثم قال الله تعالى بعد ذلك (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ).

قوله: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) يعني من اليهود والنصارى، قوله (لِمَ تَكْفُرُونَ) لم تجحدون (بِآَيَاتِ اللَّهِ) يعني بما في كتاب الله الذي أنزله إليكم على ألسن أنبيائكم مما فيه من أدلة وبراهين، قوله (وأنتم تشهدون) يعني تقرون أنّه حق من عند ربكم، وفي هذه الآية توبيخ من الله تعالى لأهل الكتابين التوراة والإنجيل على كفرهم محمداً صلى الله عليه وسلم وجحودهم نبوته، وهم يجدونه في كتبهم مع إقرارهم أن ما في كتبهم حقّ وأنه من عند الله.

ثم قال الله تعالى بعد : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، وهذه الآية فيها توبيخ كذلك لأهل التوراة والإنجيل. قوله: (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ) يعني لم تخلطون الحق بالباطل، والمقصود بخلطهم الحق بالباطل إما إظهارهم بألسنتهم من التصديق محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله وينكرونه بقلوبهم، أو أنهم حرفوا التوراة والإنجيل اللذين أنزلا على موسى وعيسى عليهما السلام بما كتبوه بأيديهم، فالحق ما أنزل على موسى وعيسى والباطل ما كتبوه وحرفوه من الخرافات. قوله: (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) والحق الذي كتموه ولم يظهروه هو ما في كتبهم من صفة محمد ومبعثه وثبوته وهم يدرون به ولكنهم كتموه ولم يبينوه.

Scroll to Top