يقول الله تعالى في سورة آل عمران: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

قوله: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى هذه الجملة من الآية الكريمة متعلقة بقوله تعالى: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) يعني ومكر الله بهم، (إِذْ قَالَ اللَّهُ) يعني حين قال الله يا عيسى إنّي متوفيك، قوله: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) اختلف أهل التفسير في معنى الوفاة التي ذكرها الله عز وجل في هذه الآية، فقال بعضهم هي وفاة نوم، لأن النوم شبيه بالموت الحقيقي، ومنه قوله تعالى: (وهو الذي يتوفاكم بالليل) وقال آخرون معنى الوفاة في هذه الآية (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) يعني قابضك من الأرض فرافعك إلي كما يقال: توفيت من فلان مالي عليه بمعنى قبضته واستوفيته، فمعنى (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) أي قابضك من الأرض حياً إلى جواري، وآخذك إلى ما عندي بغير موت، ورافعك من بين المشركين، وأهل الكفر بك، وقال بعض المفسرين معنى ذلك: إني متوفيك وفاة موت، وقالوا إن الله توفى عيسى بن مريم ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه إليه.

وقال بعضهم: معنى ذلك إذ قال الله يا عيسى إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا، وقالوا: هذا من المقدم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم، مثل قوله تعالى: (ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمى)، والتقدير ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزامًا، وهذا معروف في اللغة العربية ومنه قول الشاعر:

ألا يا نخلة من ذا عرق

 عليك ورحمة الله السلام

يعني عليك السلام ورحمة الله، وقد رجح الطبري في تفسيره أن معنى (مُتَوَفِّيكَ) أي قابضك من الأرض من غير موت ورافعك إليّ، قال: لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “ينزل عيسى بن مريم، فيقتل ثم يمكث في الأرض مدة حددت في بعض الأحاديث بأربعين سنة، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه” وقال الطبري “ومعلوم أنّه لو كان قد أماته الله عز وجل لم يكن بالذي يميته ميتة أخرى فيجمع عليه ميتين، لأن الله عز وجل أخبر عباده أنّه يخلقهم ثم يميتهم ثم يحييهم” كما قال جل ثناؤه: (الله الذي خلقكم ثم رزقكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم).

قوله: (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) والتطهير هنا مجازي بمعنى عدم الإهانة بمعنى أنّي عصرتك ونزهتك عنهم، وعن مكرهم ومؤامرتهم بقتلك، لأنه لو سلط عليه اعداؤه لكان ذلك إهانة له.

قوله: (وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) يعني وجاعل الذين اتبعوك على منهاجك وملتك وهم الحواريون. (فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) يعني منتصرين على الذين كفروا وظاهرين عليهم بالعزة وكذلك المسلمون الذين آمنوا بمجيء عيسى رسولاً ونبيًا من عند الله وعبدا لله سبحانه إلى يوم القيامة في عقيدتهم، وإن نسخت شريعة عيسى عليه السلام بمجيء شريعة الإسلام.

قوله: (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) يعني ثم إلى الله مرجعكم أيها المختلفون في عيسى، ومعنى مرجعكم يعني مردكم ومصيركم إلى الله يوم القيامة (فأحكم بينكم) يعني فأقضي حينئذ بين جميعكم في أمر عيسى بالحق فيما كنتم تختلفون في أمره، وهذه الآية موجهة إلى متبعي عيسى والكافرين به ويحتمل أن تكون هذه الآية عامة للناس جميعاً.

Scroll to Top