هذه الآية الكريمة لها صلة وثيقة بالآية التي سبقتها وتم شرحها في الدرس الماضي وهي قوله تعالى (ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم، ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون).
قوله (ذلك) اسم الإشارة يشير إلى توليهم واعراضهم، وقوله (بأنهم) الباء للسببية، أي أنهم فعلوا ما فعلوا بسبب زعمهم أنهم في أمان من العذاب إلا أياما قليلة.
قوله (قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات) وهذه الأيام المعدودات هي أربعون يوما وهي الأيام التي عبدوا فيها العجل، وزعموا أن الله يخرجهم من النار.
قوله (وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) يعن اغترار منهم بما كانوا يختلقون من الأكاذيب والأباطيل في ادعائهم أنهم كما حكى القرآن عنهم انهم قالوا (نحن أبناء الله واحباؤه)، وان الله قد وعد اباهم يعقوب ألا يدخل أحدا من ولده النار، فكذبهم الله على ذلك كله من أقوالهم واخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنهم هم أهل النار هم فيها خالدون.
ثم قال تعالى (فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه، ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)، قوله (فكيف إذا جمعناهم) كيف أداة استفهام والاستفهام بكيف هنا لفظاعة ما سيواجهونه في يوم القيامة، والمعنى إذا كان ما قالوه غرورا فكيف حالهم وجزاؤهم إذا جمعناهم يوم القيامة، وهذا من الله عز وجل وعيد لهم شديد، وتهديد غليظ فما أعظم ما يلقون من عقوبة الله وتنكيله بهم، فإذا لهم في ذلك اليوم من العقاب وأليم العذاب.
قوله (ليوم لا ريب فيه) اليوم يوم القيامة (لا ريب فيه) لا شك في مجيئه، قوله (ووفيت) وفى الله سبحانه (كل نفس ما كسبت) يعني ما عملت من خير وشر (وهم لا يظلمون) يعني انه – سبحانه – لا يبخس المحسن جزاء إحسانه، ولا يعاقب مسيئا بغير جرمه.
ثم قال تعالى بعد ذلك (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)، قوله (قل اللهم) يعني قل يا محمد: يا الله، واللهم في كلام العرب خاص بنداء الله تعالى في الدعاء ومعناه يا الله الميم عوض من حرف النداء، وهذه الآية مقصود بها التعريض بأهل الكتاب بأن إعراضهم إنما هو حد على زوال النبوة منهم وانقراض الملك منهم بإقامة الحجة عليهم في أنه لا عجب ان تنتقل النبوة من بني إسرائيل إلى العرب، قوله (مالك الملك) المالك هو المختص بالتصرف في شيء بجميع التصرفات مما يقصد له من منافع ما يملك وثمراته، والمُلك – بضم الميم – أوسع وأعلى من المِلك – بكسر الميم – ومعنى الملك التصرف في جماعة عظيمة أو أمة عديدة تصرف التدبير للشؤون وإقامة الحقوق ورعاية المصالح ودفع العدوان، ومعنى قوله الله (مالك الملك) أنه سبحانه المالك لتصريف الملك أي لاعطائه وتوزيعه وتوسيعه وتضييقه، قوله (تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء) يعني تعطي الملك من تشاء فتملكه وتسلطه على من تشاء، وتنزعه أي تزيله من مكانه كنزع الثوب، أي تزيل وصف الملك عنه، قوله (وتعز من تشاء وتذل من تشاء) يقال عز إذا علا وقهر وغلب، وتذل من الذل وهو الذليل المغلوب المقهور، قوله (بيدك الخير) يعني بيدك الخير والشر كما في قوله (وسرابيل تقيكم الحر) يعني والبرد وإنما خص الخير هنا لأن المقام مقام المسلمين الخير من الله، قوله (إنك على كل شيء قدير) أي لا يقدر على هذا غيرك بسلطانك وقدرتك.

