معنى الدين في هذه الآية: الطاعة والذلة، وكذلك معنى الإسلام فهو الانقياد بالتذلل والخشوع، يقال اسلم يعني دخل في السلم، فقوله – سبحانه – (إن الدين عند الله الإسلام) يعني إن الطاعة طاعة عند الله وطاعة له – سبحانه – وإقرار الألسن والقلوب له بالعبودية والذلة، وانقيادها له بالطاعة فيما أمر ونهى، وتذللها لله بذلك من غير استكبار عليه ولا انحراف عنه دون إشراك غيره من خلقه في العبودية والألوهية.
قوله (وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم)، يعني وما اختلف الذين أوتوا الإنجيل وهو المراد بالكتاب في هذه الآية في أمر عيسى عليه السلام وافترائهم على الله فيما قالوا فيه من الاقوال التي كثر بها اختلافهم بينهم، وتشتت بها كلمتهم حتى استحل بها بعضهم دماء بعض.
قوله (إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) يعني: إلا من بعد ما علموا الحق فيما اختلفوا فيه من أمر عيسى، وأيقنوا أنهم فيما يقولون في عيسى عليه السلام من عظيم الكذب مبطلون فاخبر الله عباده: أنهم أتوا ما أتوا من الباطل، وقالوا ما قالوا من القول الذي هو كفر بالله على علم منهم بخطأ ما قالوا، وأنهم لم يقولوا ذلك جهلا منهم بخطئه، ولكنهم قالوا واختلفوا فيه الاختلاف الذي هم عليه، قوله (بغيا بينهم) يعني تعديا من بعضهم على بعض، وطلب الرياسات والملك والسلطان فقتل بعضهم بعضا على الدنيا من بعد ما كانوا علماء الناس.
قوله (ومن يكفر بآيات الله، فإن الله سريع الحساب)، يعني ومن يجحد حجج الله وعلاماته التي جعلها لمن عقل وأدلة لمن اعتبر وتذكر، فإن الله محصي عليه أعماله التي كان يعملها في الدنيا فمجازيه بها في الآخرة فإنه جل ثناؤه سريع الحساب يعني سريع الإحصاء.
ثم قال الله تعالى بعد ذلك (فإن حاجوك فقل اسملت وجهي لله ومن اتبعن، وقل للذين اوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن اسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد)، يعني، فإن حاجك يا محمد النفر من نصارى أهل نجران في أمر عيسى فخاصموك فيه بالباطل فقل: لله وحده بلساني وقلبي وجميع جوارحي وإنما خص الله تعالى الوجه وهو من الجوارح بقوله (فقل اسلمت وجهي لله) لأن الوجه أكرم جوارح ابن آدم عليه، وفيه بهاؤه وتعظيمه فإذا خضع وجهه لشيء فقد خضع له الذي هو دونه في الكرامة عليه من جوارح بدنه، وقوله (ومن أتبعني) يعني واسلم من اتبعني أيضا وجهه لله معي، وقوله (وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم، فإن أسلموا فقد اهتدوا) يعني: وقل يا محمد للذين اوتوا الكتاب من اليهود والنصارى والاميين الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب، أأسلمتم: قل لهم هل أقررتم التوحيد واخلصتم العبادة والألوهية لرب العالمين، دون أن تشركوا بالله وأنتم تعلمون أنه لا رب غيره ولا إله سواه، فإن أسلموا: يعني انقادوا لإفراد الوحدانية لله وإخلاص العبادة والألوهية فقد اهتدوا يعني اصابوا سبيل الحق وسلكوا طريق الرشد، قوله (وإن تولوا) وإن ادبروا معرضين عما تدعوهم إليه من الإسلام وترك الشرك (فإنما عليك البلاغ) يعني فإنما انت رسول مبلغ وليس عليك غير ابلاغ الرسالة إلى من ارسلتك إليهم لطاعتي، قوله (والله بصير بالعباد) يعني والله ذو علم بمن من عباده ما أرسلتك به إليه فيطيعك بالإسلام وبمن يتولى منهم معرضا فيرد عليك ما أرسلتك به إليه الإسلام.

