يقول الله تعالى في سورة آل عمران (الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار).

هذه الآية الكريمة متعلقة بالآية التي سبقتها وهي قوله سبحانه (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله، والله بصير بالعباد)، فهؤلاء الذين اتقوا بقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار، يعني الذين يقولون: إننا صدقنا بك يا ربنا ونبيك صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عندك وقوله (فاغفر لنا ذنوبنا) يعني فاستر علينا بعفوك عن ذنوبنا وتركك عقوبتنا عليها، وقوله (وقنا عذاب النار) يعني ادفع عنا عذابك إيانا بالنار أن تعذبنا بها يعني لا تعذبنا يا ربنا بالنار، وإنما خصوا الدعاء بأن  ربهم عذاب النار، لأن من زحزح يومئذ عن النار فقد فاز بالنجاة من عذاب النار وحسن مآبه ورجوعه إلى ربه.

ثم قال تعالى بعد ذلك يذكر صفات المتقين (الصابرين، والصادقين، والقانتين، والمنفقين والمستغفرين بالاسحار) وهي خمس صفات، أولها (الصابرين) يعني صابرين على الطاعات وصابرين عن المعاصي والشهوات، وثانيها (الصادقين) أي في الأفعال والأقوال بالعمل بما أمر الله به، والانتهاء عما نهاهم عنه، وثالثها (القانتين) ومعناها الطائعين لله، ورابعها (المنفقين) يعني الذين ينفقون أموالهم بإيتاء زكاة أموالهم وانفاقها في الوجوه التي أذن الله لهم بإنفاقها فيها، وخامسها (المستغفرين بالأسحار) المستغفر هو طالب الستر من الله تعالى لأن السين والتاء للطلب، وأكد وقت للاستغفار هو في السحر وهو آخر الليل قبل أن يطلع الفجر، فهم السائلون ربهم في هذا الوقت أن يستر عليهم بالدعاء وقد يكون بالدعاء والصلاة لما روى عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول انا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فاستجيب له من ذا الذي يسألني فاعطيته من ذا الذي يستغفرني فاغفر له، فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر”[1] والاستغفار مندوب إليه في كل وقت وفي الأسحار خاصة، وقد أثنى الله تعالى على المستغفرين في هذه الآية وفي قوله تعالى (وبالأسحار هم يستغفرون) لان وقت السحر وقت إجابة الدعاء.

ثم قال تعالى بعد ذلك (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم)، هذه الآية الكريمة فيها نفي لما اضافت النصارى الذين حاجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيسى من أنه ابن الله، وفيها كذلك نفي لما نسب أهل الشرك جميعا من أن لله شريكا واتخاذهم دون الله اربابا، فأخبرهم جل وعلا عن نفسه انه سبحانه الخالق كل ما سواه وانه رب كل ما اتخذه كل كافر وكل مشرك ربا دونه وأن ذلك مما يشهد به هو سبحانه وملائكته وأهل العلم به من خلقه، فبدأ جل ثناؤه بنفسه تعظيما لنفسه وتنزيها لها عما نسب أهل الشرك إليه سبحانه، فأعلمهم – سبحانه – أن ملائكته التي يعظها العابدون من أهل الشرك ويعبدها الكثير منهم، وهل العلم منهم منكرون ما هم عليه مقيمون من كفرهم وقولهم في عيسى وقول كل من اتخذ ربا غيره سبحانه من سائر الخلق فقال: شهدت الملائكة وأولوا العلم يعني أهل العلم أنه سبحانه لا إله إلا هو وان كل من اتخذ ربا دون الله فهو كاذب وهذا كذلك احتجاج منه لنبيه عليه السلام على الذين حاجوه من وفد نجران في عيسى، قوله (قائما بالقسط) يعني بالعدل، وقوله (لا إله إلا هو العزيز الحكيم) نفي أن يكون شيء يستحق العبودية غيره سبحانه لا شريك له في ملكه (العزيز) الذي لا يمتنع عليه شيء أراده سبحانه (الحكيم) في تدبيره يضع الشيء في موضعه اللائق به فلا يدخله خلل.


[1] – أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758).

Scroll to Top