يعني بذلك جميع ما ذكر في هذه الآية من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، وهذا يجل على أن هذه الكلة (ذلك) تشتمل على الأشياء الكثيرة المختلفة المعاني.
قوله (متاع الحياة الدنيا) فإنه خبر من الله عن أن ذلك كله مما يستمتع به في الدنيا وأهلها أحياء وجعلونه وصلة في معاشهم، وسببا لقضاء شهواتهم التي زين لهم حبها في عاجل دنياهم دون أن يكون عدة لآخرتهم وقربة لهم إلى ربهم إلا ما أنفق منه فيما أمر الله به ومن طبيعة المتاع أنه يذهب ولا يبقى.
وقوله (والله عنده حسن المآب) المآب معناه المرجع يقال آب يؤوب إيابا إذا رجع يقول الشاعر:
| وقد طوفت في الآفاق حتى |
رضيت من الغنيمة بالإياب |
وقال آخر:
| وكل ذي غيبة ندوب |
وغائب الموت لا يؤوب |
وحسن المآب يعني حسن المرجع، وحسن المرجع بينه الله سبحانه في الآية التالية وهي قوله جل وعلا (قل أؤنبئكم بخير من ذلك للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله، والله بصير بالعباد).
يعني جل ثناؤه قل يا محمد للناس الذين زين لهم حب الشهوات من سائر ما ذكره ربنا (أؤنبئكم) استفهام مأخوذ من النبأ وهو الأخبار والإعلام يعني أأخبركم وأعلمكم بخير من ذلكم يعني بأفضل لكم من ذلكم يعني مما زين لكم في الدنيا من حب شهوته مما ذكر في الآية السابقة التي هي متاع الدنيا قوله (للذين اتقوا) يعني للذين خافوا الله فأطاعوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، قوله (عند ربهم) يعني بذلك لهم عند ربهم.
قوله (جنات تجري من تحتها الأنهار) الجنات: البساتين وتجري من تحتها الأنهار يعني به من تحت الأشجار.
قوله (خالدين فيها) أن الخلود فيها دوام البقاء فيها، قوله (وأزواج مطهرة) الأزواج المطهرة هن نساء الجنة اللواتي طهرن من كل أذى يكون بنساء أهل الدنيا من الحيض والبول والنفاس وما أشبه ذلك من الأذى.
قوله (ورضوان من الله) يعني ورضا الله وهو مصدر من قول القائل رضي الله عن فلان فهو يرضى عنه رضا أو رضوان لأن رضوان الله أو رضا الله أعلى منازل كرامة أهل الجنة كما ورد في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تبارك وتعالى: أعطيكم أفضل من هذا؟ فيقولون: أي ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ قال: رضواني.
قوله (والله بصير بالعباد) يعني والله ذو بصر بالذي يتقيه من عباده فيخافه فيطيعه ويؤثر ما عند ربه مما أعده للذين اتقوه على حب ما زين له في عاجل الدنيا من شهوات ما ذكره الله في كتابه وان الله جل وعلا ذو بعد كذلك بالذي لا يتقيه فيخافه ولكنه يعصيه ويطيع الشيطان، ويؤثر ما زين له في الدنيا من حب الشهوات النساء والبنين والأموال على ما عند الله من النعيم المقيم، فهو سبحانه عالم بكل فريق منهم حتى يجازي كلهم عند معادهم إليه جزاءهم، المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.

