يقول الله في سورة آل عمران (قد كان لكم آية في فئتين التقتا، فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة، يرونهم مثليهم رأى العين، والله يؤيد بنصره من يشاء، إن في ذلك لعبرة لأولى الأبصار).

والمعنى: قل يا محمد للذين كفروا من اليهود الذين بينكم في المدينة، قد كان لكم آية ومعنى الآية علامة ودلالة على صدق ما أقول لكم إنكم ستغلبون عبرة وتفكر في الفئتين جمع فئه وهي الجماعة من الناس، التقتا، تقابلتا للحرب، وإحدى الفئتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان معه ممن شهد غزوة بدر، والفئة الأخرى مشركو قريش.

قوله (فئة تقاتل في سبيل الله) يعني جماعة تقاتل في طاعة الله وعلى دينه وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقوله (وأخرى كافرة) وهم مشركو قريش.

قوله (يرونهم مثليهم رأى العين) يعني أيها اليهود ترون المشركين ضعفى المسلمين بعينكم، يريد صلى الله عليه وسلم بذلك عظتهم، إن لكم عبرة أيها اليهود فيما رأيتم باعينكم من قلة عدد المسلمين وكثرة عدد المشركين ومع ذلك انتصر المسلمون مع قلة عددهم على المشركين مع كثرة عددهم، فقد كان عدد المسلمين ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، وكان عدد المشركين ستمائة وستة وعشرين رجلا وفي بعض الروايات أن عدد المشركين بين التسعمائة إلى الألف.

قوله (والله يؤيد بنصره من يشاء) والله يقوى بنصره من يشاء من قول القائل: قد ايدت فلانا بكذا إذا قويته واعنته فأنا أؤيده تأييدا ومنه قول الله عز وجل (واذكر عبدنا داود ذا الايد) يعني ذا القوة.

قوله (إن في ذلك لعبرة لأولى الابصار) يعني إن فيما فعلنا بهؤلاء الذين وصفنا أمرهم من تأييدنا الفئة المسلمة مع قلة عددها على الفئة الكافرة مع كثرة لعبرة: يعني لمتفكرا ومتعظا لمن عقل وتذكر فأبصر الحق.

ثم قال تعالى (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب).

قوله (زين للناس) زين من التزيين، واختلف العلماء من المزين فقال بعضهم الله زين ذلك، قال تعالى (إنا جعلنا على الأرض زينة لها) ولما قال عمر بن الخطاب: الآن يا رب حين زينتها لنا نزلت بعدها (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) وقال بعضهم: المزين هو الشيطان، فتزيين الله تعالى إنما هو بالايجاد والتهيئة للانتفاع وإنشاء الطباع على الميل إلى هذه الأشياء وتزيين الشيطان إنما هو بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها، والآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس، وفي ضمن ذلك توبيخ لمعاصري محمد صلى الله عليه سلم من اليهود وغيرهم وقوله (حب الشهوات) يعني محبة ما شتهون من هذه المتع، والشهوات جمع شهوة وهي مفطورة في الإنسان يقال شيء شهي إلى مشتهي، قوله (من النساء) بدأ جل وعلا بالنساء لكثرة تشوق النفوس إليهن ولأنهن فتنة الرجال لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء” [1]اخرجه البخاري ومسلم ففتنة النساء اشد من جميع الأشياء.


[1] – أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740).

Scroll to Top